عظة المطران خيرالله في قداس عيد الطوباوي الأخ اسطفان نعمه- كفيفان 30-8-2014

 

عظة المطران منير خيرالله

في قداس عيد الطوباوي الأخ اسطفان نعمه

في دير مار قبريانوس ويوستينا- كفيفان

السبت 30 آب 2014

 141

حضرة الأب الرئيس،

إخوتي الكهنة، أخواتي الراهبات

أيها الأحباء،

يجمعنا اليوم الطوباوي الأخ اسطفان نعمه في عيده وفي ديره، ويدعونا مع القديس نعمة الله الى استضافة القديسة رفقا. فنستحضر القديسين الثلاثة الذين تقدسوا على أرضنا البترونية في عيشهم لمقومات الروحانية المارونية النسكية من دون أن يلتقوا ويتعارفوا الا بعد دخولهم الملكوت. وهم يدعوننا اليوم الى أن نقف أمام الله لنفحص الضمير ونقوم بفعل توبة صادق ونتخذ المقاصد للتجدد في التزامنا المسيحي وفي شهادتنا للمسيح على الارض الذي تجسد فيها ابن الله إنساناً وصلب ومات من أجل خلاصنا. والتجدد هذا هو الهدف من مسيرة المجمع الابرشي الذي دعونا إليه وانطلقنا فيه معاً منذ حوالى العشرة أشهر.

أتوقف أولاً عند حياة الأخ اسطفان نعمه لأستخلص منها العبر لحياتنا اليومية.

تربى يوسف في عائلة مسيحية ملتزمة بالصلاة والتقوى والمحبة والعمل في الأرض في بلدة لحفد. واعتاد منذ الصغر أن يرعى مواشي أهله ويأوي معها الى معبد قديم على اسم مار سابا الراهب الناسك للصلاة والابتعاد عن العالم.

دخل الرهبانية اللبنانية المارونية بعمر 16 سنة بعد أن كان فقد والده قبل سنتين، واتخذ اسم اسطفان تيّمناً باسم والده وبشفيع بلدته لحفد.

أمضى حياته في الرهبانية، وكانت قصيرة إذ توفي بعمر 49 سنة، عاملاً في الأرض ومصلياً. وكان يعمل كل شيء تحت نظر الرب ويردد "الله يراني". تنقل في أديار الرهبانية وبخاصة بين دير ميفوق ودير جبيل وأنهى حياته في دير كفيفان، وكان عاملاً في الجنائن والكروم. كان « ريّس حقلة».

ومن ناحية ثانية كان راهباً مصلياً، كثير الصلاة والتأمل وقليل الكلام، مثابراً على زيارة القربان المقدس كما كان علّمه القديس نعمة الله. وكان عمله اليدوي صلاة دائمة والمسبحة كانت صلاته اليومية.

في حياته الرهبانية، تميّز بعيش الفضائل الانجيلية الثلاث، التي هي نذوره الرهبانية: الطاعة والعفة والفقر. عاشها بتجرد كامل عن كل ملذات الدنيا. وتقدس في هذه الحياة وعلى هذه الارض.

أما ما نتعلمه من حياة الطوباوي الاخ اسطفان هو أننا جميعاً، وبخاصة نحن أبناء هذه الارض البترونية، مدعوون الى القداسة ونحن نستطيع أن نتقدس كما تقدس الذين سبقونا.

نحن مدعوون الى القداسة أولاً في عيش مقومات روحانية كنيستنا النسكية أي في العلاقة مع الله، في الصلاة والابتهال وفي المحبة بين بعضنا البعض. وثانياً في العمل في الأرض التي نعرف قيمتها عندما نعمل فيها. فالأرض تركها الله لنا مسؤولية في أعناقنا ورسالة لنا ولأجيالنا الطالعة. وثالثاً في التزامنا بالقيم الإنجيلية التي هي فضائل إنجيلية، أي أن نعيش المحبة بين بعضنا البعض والتضامن والوحدة والتضحية والتجرد عن هذا العالم. نحن نستطيع أن نتقدس في عيشنا هذا إذا أردنا أن نكون قديسين ونحن نستطيع ان نكون قديسين، كما قال لنا، قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في إعلان قداسة رفقا ونعمة الله، « أنتم أيضا تستطيعون أن تكونوا قديسين». ونحن أبناء هذه الأرض البترونية دعوتنا دعوة خاصة، ونحن أبناء لبنان المسيحيون دعوتنا دعوة خاصة، لأن قديسينا يشفعون بنا من حيث هم في ملكوت الآب السماوي وجميعهم يدعوننا اليوم في هذه الايام العصيبة التي تمر على كنيستنا في لبنان وعلى وطننا لبنان وعلى بلداننا في الشرق الاوسط، ونحن المسيحيون أصيلون في بلداننا في لبنان وفي الشرق الاوسط. لذلك نحن مدعوون الى ان نشهد للمسيح وأن لا نخاف من شيء ولا على شيء. ولنتذكر أن قديسينا الثلاثة نعمة الله الحرديني ورفقا والأخ اسطفان عاشوا في ظروف أصعب من الظروف التي تمر علينا اليوم. الاب نعمةالله الحرديني عاش في أزمة عصيبة جداً دامت 21 سنة بين 1840 و1861 وكانت فيها المجازر والمذابح ضد المسيحيين والموارنة بنوع خاص وكان هو يصلي ويتقدس في هذا الدير ويطلب خلاص شعبه وكنيسته. وتم الخلاص بعد الصليب والموت. كذلك القديسة رفقا عاشت تلك الازمة بالذات وكانت فيها في دير القمر ومع شعبها صلّت الى الله وقدمته إليه قرباناً زكياً وطلبت الخلاص ونالت الخلاص. والخلاص كان بحمل الصليب وبالموت. ولا عبور الى الحياة الا بالصليب والموت. والأخ اسطفان عاش الحرب العالمية الأولى وكان في هذا الدير وفي دير ميفوق يوزع ما أعطاه الله من خيرات للدير يوزعها على الفقراء والعائلات المحتاجة. وكان يحرم نفسه كما كان يحرم الرهبان من عيش رغيد ليوزع على المحتاجين في المجاعة وخلال سنوات الحرب. إنها أمثولة كبيرة لنا كي نتأكد أن العاصفة التي تمر اليوم ستعبر وأرضنا باقية، هي أرض وقف لله، وكنيستنا باقية حاملة شهادتها للمسيح ودعوتها الى القداسة ورسالتها في خدمة الإنسان كل إنسان.

أمثولة لنا جميعا كي نعرف أننا بعد عبور العاصفة نحن أيضا سنبقى، شهوداً للمسيح في أرض المسيح، هنا وفي بلداننا في الشرق الأوسط. وسينتصر السلام، سلام الله لا سلام البشر؛ ستنتصر المحبة والمصالحة والأخوّة والانفتاح واحترام التعددية. هذه رسالة كنيستنا وهذه هي رسالة وطننا لبنان وسنحملها بفخر واعتزاز ورأس مرفوع على خطى قديسينا وجميع القديسين الذين سبقونا بحملهم الصليب وبموتهم سبقونا الى مجد القيامة. آمين.

Photo Gallery