عظة المطران خيرالله في قداس ليلة عيد الرب ارز تنورين 5-8-2014

عظة المطران منير خيرالله

في قداس ليلة عيد الرب

في أرز تنورين

الثلاثاء 5 آب 2014

137

«رابّي، حسنٌ لنا أن نبقى هنا» (مرقس 9/5)

إخوتي الكهنة، الخوري بيار (طانيوس) والأب اغناطيوس (داغر) والخوري بطرس (بو فرنسيس)

حضرة الشيخ أنطوان حرب ممثلاً معالي الوزير الشيخ بطرس حرب،

حضرة رئيس بلدية تنورين الدكتور منير طربيه

حضرة رئيس محمية تنورين المحامي نعمه حرب،

أحبائي أبناء وبنات تنورين.

تعرفون أن تنورين وأبناء وبنات تنورين هم في قلبي وصلاتي وفكري. أنا معكم اليوم ولأول مرة للاحتفال بعيد تجلّي الرب من على هذا الجبل، تماماً كما الجبل الذي تجلى عليه الرب يسوع المسيح. فلنتوقف أولاً بالتأمل عند معنى هذا العيد. سمعنا في إنجيل مرقس أن يسوع أخذ معه ثلاثة من الرسل، بطرس ويعقوب ويوحنا، وصعد بهم إلى جبلٍ عالٍ، والجبل في الكتاب المقدس هو مكان لظهور وتجلّي الرب، وتجلّى أمامهم بمجده السماوي، بالنور الساطع. فأصبحت ثيابه بيضاء حتى أنه لا يستطيع أي إنسان على الأرض أن يبيّض مثلها. وتراءى لهم مع يسوع موسى وإيليا؛ وهما يمثلان العهد القديم ومسيرة شعب الله. موسى الذي تجلّى له الله على طور سينا، ولم يستطع أن يراه وجهاً لوجه، فوضع برقعاً أو قناعاً لكي يحجب هذه الرؤية الإلهية. وإيليا يمثل الأنبياء الذين أرسلهم الله ليبشروا الشعب بمجيء الابن المسيح المخلّص.

تجلّى يسوع في عظمة مجده وبهاء لاهوته جامعاً في شخصه شهادة العهدين العهد القديم مع موسى وإيليا والعهد الجديد مع الرسل الثلاثة، الذين تذوقوا طعم هذا المجد وأرادوا أن يبقوا فيه. فقال بطرس بعفويته: « رابّي، حسنٌ لنا أن نبقى هنا». ما لنا وللعالم الذي نعيش فيه.

فظهرت غمامة ظلّلتهم، وانطلق صوت من الغمامة، هو صوت الله الاب، يقول: « هذا هو ابني الحبيب، فله اسمعوا».

كانت نية يسوع من تجلّيه أمام الرسل أن يقول لهم: هذا الذي رأيتموه ليس إلا مقدمة لما ينتظركم في ملكوت الآب السماوي. وطعم هذا المجد لن يذوقه إنسان قبل أن يعبر بالآلام والموت. وأنا قلت لكم إني مزمع أن أموت على الصليب وفي اليوم الثالث سأقوم في المجد. عودوا إذاً إلى حياتكم اليومية؛ عودوا لتشهدوا في العالم ما رأيتم هنا وما قلته لكم؛ عودوا لتشهدوا لي من خلال حملكم الصليب واستشهادكم وموتكم فتستحقوا أن تذوقوا مجد الملكوت السماوي. عاد الرسل ولم يفهموا شيئاً من هذا السر، وصعب عليهم أن يموت يسوع ابن الله، هو الممجّد الآن، فكيف يعود ويموت على الصليب. أما موت المسيح فهو من أجل خلاص البشر. ولم يخلّص البشر الا بعبوره بالموت. فيفهم جميع الذين يؤمنون بالمسيح أنه عليهم أيضاً أن يحملوا صليبهم ويتبعوا المسيح وأن يموتوا معه عن هذا العالم لكي يدخلوا مجد الملكوت.

وهذا السر يوضحه لنا المسيح اليوم من جديد. نحن أبناء الله ونحن أبناء هذا الجبل وأبناء تنورين، علينا أن نفهم هذا السر لأن آباءنا وأجدادنا الذين اختاروا أن يعيشوا على قمم هذه الجبال اختاروا هذه الروحانية لكي يقتربوا من المسيح حتى ولو في حمل الصليب وفي الآلام والموت.

آباؤنا وأجدادنا ضحوا بالكثير وقبلوا الشهادة والاستشهاد في سبيل أن يبقوا رسل الحرية والكرامة وينالوا مجد المسيح. « وحيث روح الرب هناك الحرية»، يقول القديس بولس. هكذا اختار آباؤنا وأجدادنا الحرية على هذه الجبال لأنها مسكن روح الرب ولأنها الموقع والمكان الذي من خلاله يتجلى الرب يسوع لنا جميعاً.

تعالوا نعود الى تاريخ كنيستنا وتراثها؛ تعالوا نعود الى تاريخ شعبنا وإرث آبائنا وأجدادنا فنواجه كل التحديات التي تأتي علينا اليوم من قريب ومن بعيد، نواجهها بإيمان ثابت وبرجاء كبير كما واجهها الآباء والأجداد. ثَبُتوا على هذه الجبال وفي هذه الارض المقدسة ولم يريدوا يوماً أن يتراجعوا عن رسالتهم وعن لعب دورهم في لبنان وفي الشرق وفي العالم لكي يكونوا شهود المسيح ورسل المحبة والمصالحة والسلام والانفتاح على الانسان وخدمته. لذا قيل عن لبنان إنه الوطن الرسالة. ومن أهم من قال عنه هذا هو القديس البابا يوحنا بولس الثاني: لبنان هو الوطن الرسالة. أيها المسيحيون وأيها اللبنانيون إحملوا هذه الرسالة ودافعوا دوماً عن وطنكم ليبقى وطن الرسالة.

وطننا اليوم يواجه تحديات كبيرة، لكن بفضل إيماننا وثقتنا بالله نحن ثابتون في رسالتنا وفي أرضنا المقدسة. نحن مع المسيح لن نخاف من شيء ولن نخاف من أحد. نحن أقوياء بالمسيح وأقوياء بكنيستنا وبشعبنا وبتاريخنا. لا تخافوا إذاً من التحديات. لبنان باقٍ ونحن باقون، حتى ولو بذلنا الدم في الاستشهاد. نحن باقون لنحمل دوماً رسالة هذا الوطن ورسالة كنيستنا. تعالوا نصلي معاً اليوم من أجل المسؤولين في وطننا، جميع المسؤولين السياسيين والمدنيين، لكي يرفع الرب القناع عن وجوههم فلا يروا سوى مجد الرب ولا يعملوا سوى مشيئته في حمل مسؤولياتهم لخلاص شعبهم وخلاص وطنهم. تعالوا نصلي من أجل عائلاتنا، ومن أجل شبابنا وصبايانا، وهم المستقبل، مستقبل الكنيسة ومستقبل الوطن، نصلي من أجلهم كي يحميهم الرب ويزرع في قلوبهم الجرأة والشجاعة على مواجهة كل التحديات بالحرية والكرامة التي نقلت اليهم من الآباء والأجداد.

أصلّي معكم جميعاً من أجل أبرشيتنا البترونية، أرض القداسة والقديسين، ومن أجل بلدتنا تنورين، وهي قمة هذا الجبل وقمة هذه الأبرشية وتحمل بجرأة وحرية وكرامة رسالة البترون ورسالة لبنان. أصلي من أجلها ومن أجل أبنائها الحاضرين والغائبين والمنتشرين في العالم وهم كثر ويصلون معنا اليوم حيث هم موجودون في أربعة أقطار العالم، كي نكون جميعنا رسل المحبة والمصالحة والسلام وكي يبقى جبلنا هنا في تنورين حاملاً شعلة الحرية والكرامة في خدمة لبنان. تعالوا نصلي من أجل جيشنا البطل كي يبقى هو المدافع الكبير عن الشعب وعن المجتمع وعن الدولة ومؤسساتها وعن الوطن لأنه وحده حامي هذا الوطن ونحن نحمله في صلاتنا ونطلب أن يبقى هو الدفاع الوحيد الأول والأخير عنا جميعاً. والرب يسوع باقٍ معنا الى منتهى الدهر. لا تخافوا. آمين

Photo Gallery