عظة المطران خيرالله في قداس ختام الأيام الوطنية للشبيبة- دير عبرين 30 تموز - 3 آب 2014

عظة المطران منير خيرالله

في قداس اختتام الأيام الوطنية للشبيبة (30 تموز- 3 آب 2014)

في كنيسة العائلة المقدسة- الدير الأم لراهبات العائلة المقدسة

الأحد 3 آب2014

136

« بفقرك اغتنيتُ».

صاحب السيادة المطران جورج بو جوده،

باسم أبرشية البترون وشبيبتها والعائلات التي استقبلت شبيبة لبنان، نشكرك على رأس المجلس الرسولي العملاني، كما نشكر نائبك المطران جورج بقعوني الذي ينتقل غداً من أبرشية صور إلى أبرشية حيفا والجليل.

إخوتي وأخواتي الشباب والصبايا؛

أوجّه من خلالكم تحية محبة إلى سيادة المطران سمعان عطالله وأبرشية بعلبك دير الأحمر حيث كان من المقرر أن تقام الأيام الوطنية للشباب لسنة 2014.

« بفقرك اغتنيت- بفقرك أغتنينا».

هذا هو الموضوع الذي اخترتموه للأيام الوطنية للشباب 2014 واستوحيتموه من رسالة قداسة البابا فرنسيس لليوم العالمي للشباب 2014: « طوبى للفقراء بالروح، فإن لهم ملكوت السماوات» (متى 5/3).

أتوقف أولاً في تأملي عند المعنى الروحي لهذا الشعار، وثانياً عند نتائجه العملية في حياتنا.

بفقر يسوع المسيح اغتنينا. هو ابن الله الذي ارتضى أن يتنازل من ألوهيته، وأن يُخلي ذاته الإلهية، كما يقول القديس بولس، ليصير إنساناً كاملاً مثلنا ويتبنى إنسانيتنا الضعيفة. هو الغني افتقر لأجلنا وعاش الفقر بكل معانيه ورموزه ليضم كل البشرية، من أصغر إنسان إلى الأكبر، من أفقر إنسان إلى الأغنى، من أكثر إنسان مظلوم إلى الأغنى بالحرية. افتقر ليغنينا بألوهيته ويرفعنا إلى مجده الإلهي.

هذا هو سرّ حبّ الله الذي بدأ بتجسّد ابن الله ثم بموته على الصليب وبقيامته ليظهر لنا كم أن الله يحبنا، ويريد خلاص البشر ويرفعهم إلى الألوهة. إنها نتيجة المحبة التي من خلالها افتدى يسوع المسيح الابنُ البشرَ وحرّرهم من ظلمة الموت وعبودية الخطيئة فأصبحوا من جديد أبناء الله. نحن نعتبر أننا نفتقر مع المسيح لنغتني به.

هذا الشعار يحتاج إلى تطبيق في حياتنا كل يوم. فكيف نعيش الفقر المادي والروحي مع المسيح لنغتني به ونستحق الطوبى التي وعد بها ؟

أن نفتقر مادياً: هذا يعني أن نتعلم من يسوع التخلّي عن كل شيء في هذه الدنيا، لأن كل شيء فيها فانٍ ولا قيمة له إلا في التزامنا بأن تغتني بيسوع وبألوهيته. نحن نعيش في العالم، ولكن علينا أن تتخلى عن كل ما في هذا العالم ونبتعد عن العيش في هو للجسد لنعمل في ما هو للروح، روح الله الساكن فينا والذي يرشدنا إلى طريق الملكوت. أن نلتزم إذاً بعيش الفقر عملياً في حياة كل يوم.

قداسة البابا فرنسيس قال لدى انتخابه: «أنا سأكون بابا الفقراء». إني أعتبر نفسي غنياً بأبناء الكنيسة، وبخاصة الفقراء فيها. وقضيتي هي قضيتهم. ولا أقصد فقط الفقراء بالمادة، بل الشعوب المظلومة والمحرومة من العيش بحرية وكرامة. إنها قضية يسوع المسيح لأنهم إخوته الصغار. ويجب أن تكون قضية كل واحد منا.

هكذا علّمنا أيضاً القديس فرنسيس الأسيزي، الذي كان غنياً مادياً. لكنه، لما اختار أن يتبع يسوع، تخلى عن كل شيء، حتى عن ثيابه التي تركها لوالده. وتبنّى الفقر، وأصبح قديس الفقراء. وكذلك البابا فرنسيس، الذي هو ابن الرهبنة اليسوعية، اختار له اسم فرنسيس تيمّناً بالقديس فرنسيس الأسيزي وبيسوع المسيح ليكون بابا الفقراء والمدافع الأكبر عن قضية الإنسان الجائع والعطشان والمريض والمظلوم والمنبوذ. وانطلاقاً من خبرته الكهنوتية والأسقفية في أميركا اللاتينية وفي الأرجنتين بالذات، إنه يعرف كم من الشعوب في العالم تحتاج إلى أن تغتني بالمسيح وتغني العالم الذي تعيش فيه.

الأم تيريزا تخلّت عن كل شيء وراحت تفتقر مع كل إنسان اعتبرته أخاً للمسيح في فقره وجوعه وعطشه ومرضه ومأساته. فخدمت في بلاد الهند أفقر الناس بمحبة مجانية لا حدود لها واغتنت بهم وتقدّست بواسطتهم. تخبرنا في إحدى كتاباتها أنه أتاها يوماً رجل غنيّ من أستراليا بقصد مساعدتها. ولما قابلها وهي عائدة من خدمتها للمرضى والمنازعين، قال لها: سمعت الكثير عن رسالتك لدى الفقراء في كالكوتا، ودُهشت بها. لذا حئت أساعدك. وأخرج من جيبه دفتر الشيكات وكتب لها شيكاً بقيمة خمسة ملايين دولار. فنظرت إليه وحدّقت في عينيه طويلاً، ثم قالت له: أنا لست في حاجة إلى مالك ! فصُدم هذا الرجل من جوابها وخرج غاضباً، وعاد إلى بلاده. ولكنه بعد سنتين، عاد إلى كالكوتا بزيّ رجل عادي متواضع. وراح مباشرة يخدم الفقراء والمرضى إلى جانب الأم تيريزا من دون أن يتفوّه بكلمة واحدة. ولما عادا مساءً إلى البيت، سألته الأم تيريزا: لماذا عُدت إلى هنا مع أنك ذهبت غاضباً من عندي ؟ فأجاب: لأني عرفت ماذا كنت تريدين مني. فهمت أنك لا تريدين مالي، بل تريدين قلبي لخدمة الفقراء بمحبة. جئت اليوم أضع قلبي لخدمة إخوة يسوع هؤلاء الصغار بمحبة.

إخوتي وأخواتي الشباب والصبايا،

الرسالة التي قمتم بها نهار الجمعة في قطاعات تنورين وعبرين وسمارجبيل لدى عائلات تحتاج إلى عطف وحنان ومحبة كانت خبرة غنية جداً. وأخبرني البعض منكم كم أنكم اغتنيتم بفقرهم وكم اغتنوا هم بمحبتكم وحضوركم المسيحي الشاهد.

الأمثولة التي نأخذها اليوم من هذا اللقاء الوطني هي أن نكون رسل فقر المسيح.

أنتم إذاً رسلُ فقر المسيح؛ فافتقروا مع إخوتكم المحتاجين إلى محبة لتغتنوا معاً بيسوع المسيح. إفتقروا مع شعبنا في لبنان الذي يفتقر ليس فقط للأمور المادية في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، بل يفتقر للعودة إلى العيش بحرية وكرامة وإلى اكتشاف القيم التي بنى عليها أجدادنا وآباؤنا، مسيحيون ومسلمون، هذا الوطن لبنان. فهو يفتقر إلى أن يعود «الوطنَ الرسالة».

أنتم رسل فقر المسيح تجاه إخوتكم الشباب، فاغتنوا معهم بيسوع المسيح. تذكّروا ما قاله البابا القديس يوحنا بولس الثاني لأسلافكم عندما زارنا في لبنان سنة 1997: أنتم أفق ومستقبل لبنان الوطن الرسالة في المحبة والحرية والمصالحة والسلام واحترام الإنسان في تعددية انتماءاته. ونقول لكم: احملوا رسالة لبنان هذا إلى إخوتكم المسيحيين والمسلمين في بلدان الشرق الأوسط، في سوريا والعراق ومصر وفلسطين، التي ترزح تحت نير الحقد والتعصب والتطرف والحروب الهمجية. فلا المسيحية ولا الإسلام ولا اليهودية ولا أي دين في العالم يرضى بما يجري عندنا. جميعنا نرفض هذه الحرب لأنها ضد الإنسانية ولأنها عداوة لله الذي نؤمن به إلهاً واحداً.

أقول لكم أخيراً: لا تخافوا إذا كان عددنا قليلاً. فيسوع المسيح لا يهمّه عددنا، بل يهمّه نوعية حضورنا وشهادتنا المسيحية في مجتمعاتنا وأوطاننا، حتى لو وصلت بنا إلى بذل الذات والاستشهاد. إنها قمة المحبة وتعبير عن فقرنا بالمسيح لنغتني بمجد القيامة في الحياة الأبدية التي تنتظرنا. آمين.

Photo Gallery