عظة المطران منير خيرالله
في قداس المصالحة وافتتاح المخيّم الرسولي الأبرشي
كنيسة سيدة النجاة- كفور العربه
الأحد 27 تموز 2014
« رغبة الجسد موت، أما رغبة الروح فحياة وسلام» (روما 8/6/).
أحبائي جميعاً أبناء وبنات كفور العربه،
بقلب كبير أنا معكم اليوم لأحتفل بالقداس وافتتح المخيم الرسولي الأبرشي الذي ينظمه الفريق الرسولي، المؤلف من كهنة وراهبات واكليريكيين وعلمانيين، في الرعايا المجاورة.
وأنا معكم ثانياً لأدعوكم إلى مصالحة أخوية وإلى تقديم ذواتنا إلى الرب وإلى تجديد الالتزام بعيش إيماننا المسيحي. وبالرغم من ضعفنا ونقائصنا وخطايانا، فنحن نؤمن أن الروح يعمل فينا كي نسلك بحسب الروح لا بحسب الجسد. ومنذ أن تجسد ابن الله يسوع المسيح إنساناً وارتضى أن يحمل إنسانيتنا الضعيفة وأن يموت على الصليب حاملاً خطايانا ليفتدينا ثم ليعطينا الحياة بقيامته وأرسل روحه ليسكن فينا، أصبحنا جميعنا مسكناً للروح القدس.
فكلمة الله الموجهة إلينا اليوم تدعونا إلى سماع صوت الروح والسير بهديه.
يقول القديس بولس:« نحن السالكون بحسب الروح نرغب في ما هو للروح. ولكن إذا سلكنا بحسب الإنسان الجسدي نرغب في ما هو للجسد وننقاد للخطيئة، ونتيجه الخطيئة هي الموت والهلاك».
لأن رغبة الجسد موت وهي عداوة لله، أما رغبة الروح فحياة وسلام. ونحن إذاً روحيون لا جسدّيين وروح الله حقاً ساكن فينا.
وجميعنا نعرف كم تضعفنا نوايا ورغبات الجسد وتُحدُّ من التزامنا في اتّباع السيد المسيح. لكننا بشر ضعفاء، ويسوع المسيح جاء يقوّي ضعفنا ويرفعنا إلى الألوهة. فمنذ الخطيئة الأولى أصبح الإنسان فينا معرّضاً للخطيئة وللموت. وأراد الله الآب من فيض محبته ورحمته اللامتناهية أن يرسل ابنه الوحيد يسوع المسيح ليحرّرنا من الخطيئة فنصبح من جديد أبناء الله ونعيش بحسب الروح.
فلا أحد منا يستطيع أن يتكبّر على أخيه ولا أحد يستطيع أن يقول إنه بلا خطيئة. جميعنا ضعفاء، لكننا جميعنا نلنا الخلاص بيسوع المسيح. وجيمعنا بالروح القدس نسير نحو الخلاص.
مطلوب منا إذاً أن نسمع الرب يسوع يعلّمنا كل يوم، لأن تعاليمه في الإنجيل هي حياة لنا. وتعاليمه تتلخص بوصية المحبة. « وما من حبّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل من يحبّ»!
التحدي الكبير الذي ينتظرنا نحن المسيحيين هو في عيش المحبة بين بعضنا البعض أولاً. كم نحن مستعدون أن نعيش المحبة كي يعرف العالم أننا حقاً تلاميذ المسيح، كما كان يقال في المسيحيين الأولين ؟ ونتيجة المحبة هي المغفرة.
ومع أني أعرف أن عيش المحبة صعب ومكلف، فقد كلّف ابن الله أن يموت من أجلنا، فإني أدعوكم يا أحبائي إلى عيش المحبة والمغفرة؛ إلى تخطّي كل ما حدث بينكم، وقد كلّفكم ضحية غالية، وأنتم عائلة واحدة. إني أدعوكم إلى الصفح والمصالحة علّنا نترك لأولادنا شهادة مسيحية مميزة يتعّظون بها، كما اتّعظنا نحن بشهادة آبائنا وأجدادنا القديسين والشهداء، فيبنون معاً مستقبلاً لأولادهم في الوحدة والتضامن والمصالحة والسلام. ويحملون دوماً رسالة كنيستهم ووطنهم لبنان الباقيَيْن أبداً بعد أن تمرّ عواصف الحقد والتعصّب والحروب الهمجية.
ولا نريد منكم أن تسلكوا بحسب نوايا الجسد لأنكم إلى الهلاك صائرون، لا سمح الله. جميعنا نلنا النعمة بيسوع المسيح وأصبحنا من جديد أبناء الله. فعلينا أن نستحق هذه النعمة وأن نبقى ثابتين في إيماننا بالله وثقتنا الكاملة به، كما ثبت آباؤنا وأجدادنا وانتصروا بالحق على الظلم وبالمحبة على الكراهية. ورعيتكم، كفور العربه، أعطت الكثير لكنيستنا المارونية وللبنان. أعطت كهنة ورهباناً عظاماً؛ أعطت آباء وأمهات تقدسوا وقدّسوا عائلاتهم وتركوا لنا إرثاً عريقاً.
مسؤوليتكم إذاً هي في أن تكونوا أوفياء لهذا الإرث وأن تنقلوه إلى أولادكم وأن تزيدوا عليه شهادتكم في تلبية دعوة الله إلى القداسة.
عودوا إلى ذواتكم وإلى الله واتخذوا المقاصد في أن تكمّلوا مشيئته في حياتكم؛ ومشيئته هي أن تحبوا بعضكم بعضاً وأن تحبوا من يسيء إليكم لتكونوا حقيقةً أبناء أبيكم الذي في السماوات. آمين.