عظة المطران خيرالله في قداس ليلة عيد مار نوهرا- سمارجبيل 21-7-2014

عظة المطران منير خيرالله

في قداس ليلة عيد مار نوهرا

كنيسة مار نوهرا- سمارجبيل

الإثنين 21 تموز 2014

133

« ويسطع الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم» (متى 13: 43)

حضرة الخوري إيلي (سعاده) خادم هذه الرعية الحبيبة،

إخوتي الكهنة وأخواتي الراهبات،

أحبائي جميعاً،

أتيتم اليوم من كل المناطق لتحتفلوا معنا بعيد القديس نوهرا، شفيع البصر والبصيرة الذي يدلنا على طريق المسيح، طريق الخلاص.

أتوقف معكم حول إنجيل اليوم الذي فيه يفسّر السيد المسيح مثل زؤان الحقل (متى 13: 24- 30 و36-43). وكان قال لهم في هذا المثل أن رجلاً راح يزرع القمح في أرضه الجيدة. وبعد مدة نما القمح، ولكن الناس اكتشفوا أنه بين القمح نما الزؤان. فسألوه: من أين جاء الزؤان وأنت كنت زرعت الزرع الطيّب ؟ ومن هو الذي زرع الزؤان ؟ وإذا أردت فنذهب ونجمعه. فقال لهم: « لا، مخافة أن تقلعوا القمح وأنتم تجمعون الزؤان. فدعوهما ينبتان معاً إلى يوم الحصاد؛ حتى إذا جاء وقت الحصاد أقول للحصادين: إجمعوا الزؤان أولاً واربطوه حزماً ليُحرق. وأما القمح فاجمعوه وأتوا به إلى أهرائي».

وفي تفسير هذا المثل، قال يسوع: إن الزارع هو ابن الإنسان الذي جاء يزرع كلمة الله، البذار الطيب، في قلوب البشر. ولكن إبليس جاء في خلال الليل بينما الناس نائمون وزرع الزؤان ومضى. ونما الزؤان مع القمح.

فيقول يسوع: لا تخافوا، أنتم كالقمح الجيّد ستنمون بين الزؤان الذي يزرعه إبليس كل يوم في العالم. لكن لا تخافوا منه. تستطيعون أن تواجهوه وتنتصروا عليه، لأنكم أقوى منه. ولأن ابن الإنسان انتصر عليه بعد أن بذل ذاته على الصليب في سبيلكم ليعطيكم الحياة، فقط لأنه يحبكم.

يقول لنا المسيح اليوم وكل يوم لا تخافوا أنا غلبت العالم، أنا معكم حتى منتهى الدهر. يوم الدينونة آتٍ، وما من أحد يستطيع الهروب منه، ولن نحمل معنا سوى أعمالنا. لا تخافوا إذا كانت أعمالكم أعمال خير ومحبة ورحمة؛ وإذا كنتم تنظرون إلى أخيكم الإنسان وكأنه يسوع المسيح بالذات؛ فلا تتعاملوا معه إلا بالمحبة. ولا تخافوا أن تواجهوا الشر والشرير. لكن نحن بضعفنا نقول: لماذا الشر موجود؟ ولماذا الزؤان موجود بين القمح؟ ولماذا الشرير يزرع سمّه في قلب الإنسان؟ ونسأل لماذا الله لا يلغي الشرير أو الإنسان الذي يحمل الشر في داخله؟ لماذا لا يميته باكراً ؟ لماذا نقول دائماً أن الله يأخذ الصالحين ويترك الأشرار؟ هذا هو منطق البشر. لكن هذا ليس منطق يسوع المسيح. يسوع لا يريد أن ندين بعضنا بعضاً بل يريدنا أن نتعامل بمحبة. والشرير، إذا وجد بيننا، يجب أن نقوى عليه. والله وحده يعرف ويقرر قضية إلغائه. والسيد المسيح يقول لنا ان الدينونة آتية ويوم الحصاد قريب، وعندها ربنا يُفرز القمح والزؤان.

مار نوهرا شفيعنا، الذي استشهد في أواخر القرن الثالث في عهد الأمبراطور مكسيميانوس، وقدم ذاته في سبيل إيمانه بيسوع المسيح، وفي سبيل محبته لكنيسته، ومن أجل رسالة المحبة والمصالحة والسلام، قَبِلَ أن يموت فداءً عن شعبه. لم يخف من الاضطهاد بل كان أقوى من كل الاضطهادات وبذل حياته.

نحن اليوم نعيش ظروفاً صعبة ونمرّ بمراحل حرجة، ونعيش حروباً دامية ليس في لبنان فقط بل في الدول المجاورة في الشرق الأوسط التي هي أرض المسيح والأرض التي باركها يسوع المسيح واختارها كي يولد فيها إنساناً ويتجسد فيها؛ واختارها لكي يحمل فيها إنسانيتنا ويموت فيها على الصليب، ولكي يقوم فيها من الموت ويعطينا جميعاً الحياة الجديدة ومجد القيامة.

على هذه الأرض شعوبنا اليوم تعاني. ونسمع بما يحصل حولنا في العراق وسوريا وغزّة ومصر. نحن في منطقنا البشري نقول: « خلص لقد انتهى أمرنا» لأن الشرير أقوى منا، ولأن التعصب والتطرف الأعمى يفعل الكثير؛ يقتل الناس، ليس فقط المسيحيين بل غير المسيحيين أيضاً. ضحايا الحروب والعنف والتعصب هم المسيحيون وغير المسيحيين. أما نحن المسيحيين فهل نريد أن نستسلم ونقول: « خلص راحت علينا، غداً يصلون إلينا ؟». كلّا، لا يجوز. نحن تبنّينا منطق المسيح وتبنّينا منطق أجدادنا وآبائنا وقديسينا، ومنهم مار نوهرا؛ فلا يجوز أن نخاف أمام أي تحدٍّ. وسنبقى كذلك. لقد مرّ علينا الكثير من الصعوبات والتحديات والاحتلالات والحروب. أجدادنا وآباؤنا وأمهاتنا وعائلاتنا صمدوا ولم يخافوا من أي شيء، وثبتوا في إيمانهم وواجهوا الشرّ وانتصروا. ونحن لن نقبل بأن نكون أقل منهم إيمانا وصموداً وثباتاً في إيماننا وفي صلاتنا وفي اتكالنا على الله.

نحتفل في هذه الأيام بأعياد مار شربل ومار الياس ومار نوهرا. كلهم كانوا شهوداً لمحبة الله، وشهوداً ببذل ذاتهم وبصمودهم أمام الشر. تعالوا اليوم نأخذ أمثولة من مار نوهرا ومار شربل والقديسة رفقا والقديس نعمة الله، وهي أننا بالمسيح أقوى من كل التحديات. يقول لنا المسيح لا تخافوا اليوم وكل يوم. العاصفة، عاصفة الحرب والتعصب والتطرف، ستعبر ونحن صامدون. ولكن السؤال المطروح: ما سيكون موقفنا بعد انتهاء العاصفة وبعد مرور الحرب؟ هل سنبقى ثابتين بإيماننا وثقتنا بالله؟ نعم بالطبع. إذا كان لدينا شهود وشهداء، مثل مار نوهرا يرشدوننا إلى الطريق الصحيح، طريق الخلاص وطريق مجد القيامة.

نقدم قداسنا اليوم على نية هذه الرعية وأبنائها وبناتها، كما أبناء وبنات رعايانا وأبرشيتنا، أرض القداسة القديسين. وعلى نية كنيستنا التي تحمل رسالة المحبة والمصالحة في الشرق وفي الغرب. وعلى نية شعوبنا التي تعاني اليوم من مِحَن وصعوبات كي تقوى عليها وتنعم قريباً بالسلام. وعلى نيتنا نحن المسيحيين في لبنان وفي الشرق كي نبقى واقفين نعيش بحرية وكرامة وثابتين في إيماننا وفي القيم التي تربيّنا عليها في عائلاتنا التي أعطت قديسين عظاماً وتستطيع أن تعطي باستمرار قديسين وقديسات للكنيسة الجامعة.

ليقبل الله صلواتنا من أجل الذين نذكرهم اليوم: موتانا وشهداءنا ومرضانا وجميع الذين يريدون الإهتداء إلى نور المسيح بشفاعة مار نوهرا.

نحن ثابتون في إيماننا ورجائنا بالمسيح. فهو باقٍ معنا إلى منتهى الدهر. آمين.

Photo Gallery