عظة المطران خيرالله في قداس الجمعية العمومية لجمعية« كشافة لبنان»19-10-2014

 

عظة المطران منير خيرالله

في قداس الجمعية العمومية السنوية لجمعية « كشافة لبنان»

مدرسة سيدة اللويزة- ذوق مصبح

الأحد 19/10/2014

 150

« يا معلّم بناء على كلمتك ألقي الشباك» (لوقا 5/5)

 

إخوتي الكهنة المرشدين،

أحبائي كبار الحركة الكشفية قي لبنان،

أحبائي كشافة لبنان،

 

        بفرح كبير ألتقي معكم اليوم في هذه الجمعية العمومية التي تجمعنا في كلّ سنة بإسم يسوع المسيح، بإسم الرسالة التي نحملها جميعاً لكنيستنا ولوطننا وللعالم.

الموضوع الذي سيرافقنا هذه السنة هو موضوع « كلمة الله» وموضوع جواب سمعان بطرس ليسوع: « يا ربّ بناءً على كلمتك ألقي الشباك».

في هذا الإنجيل الذي سمعناه اليوم من لوقا نرى يسوع يحقق هدفه الأكبر الذي من أجله صار إنساناً ومن أجله سيموت على الصليب ويقوم ألا وهو تعليم كلمة الله. جاء ليوصل كلمة الله لكل الناس ويحقق ملكوت الله ما بين البشر وكلمة الله هي الغذاء الأكبر والوحيد لنا نحن المؤمنين. يعلّم يسوع على بحيرة جنّاشر، على الشاطئ، والسفن، سفن الرسل الذين دعاهم ليكونوا معه كانت راسية على الشاطئ. طلب من سمعان الإبتعاد قليلاً إلى البرّ ثمّ راح يعلّم الناس. ولما فرغ من كلامه وتعليمه قال لسمعان بطرس: « إبتعد إلى العمق، وأرسلوا شباككم للصيّد». كان جواب سمعان بطرس « يا معلّم لقد تعبنا الليل كلّه ولم نصطد شيئاً، ولكن بناءً على كلمتك سألقي الشباك». وألقى الشباك واصطادوا سمكاً كثيراً.

النقطة الأولى التي سأتوقف عليها في التأمل هي كلمة الله التي يزرعها يسوع في قلب كلّ واحد منا، ليقول له إن الله محبة؛ الله أب سهران على الجميع. هدف الله أن يخلّص البشرية، ويريد أن يضحّي بابنه يسوع المسيح الذي صار إنساناً ليفتدي البشر. يسوع يزرع هذه الكلمة، كلمة المحبة، كلمة المصالحة، الكلمة التي هي الغذاء الأكبر والوحيد. وهذه الكلمة تُزرع في قلوبنا نحن أيضاً، وعلينا أن نبشر بها. نبشر بيسوع المسيح المائت على الصليب والقائم من الموت والحاضر دائماً وأبداً معنا: « وها أن معكم إلى منتهى الدهر». لا تخافوا ! هذه الكلمة، كلمة الخلاص، علينا أن نحيا بموجبها وأن نحملها إلى كلّ الناس، في مجتمعنا حيث نحن نعيش.

ثانياً يسوع يتوجه إلى سمعان بطرس ويقول له « إبتعد إلى العمق». لماذا ؟ إسمعوا جيداً، لأنه في العمق يجد سمكاً كثيراً، ولأن في العمق وفي عمق البحر المغامرة كبيرة. من يريد أن يصل إلى العمق عليه أن يغامر بحياته، والصيادون هم المغامرون الأولون. لهذا السبب يسوع يعرف ما يطلب من سمعان ورفاقه. ولأنّ من يغطس إلى العمق، يدخل في عمق الإنسانية، يدخل في عمق الله، خالق هذا الكون كلّه وخالق الإنسان على صورته كمثاله؛ ولأنّه في العمق لا يعود يشعر بالأمواج والعواصف التي تكون على سطح المياه. لهذا السبب قال له « إبتعد إلى العمق، وألقوا شباككم للصيد». هذا هو العمق الذي يطلبه يسوع منّا؛ وهذه هي رسالتنا ككشافة إبتعدوا إلى العمق، لا تبقوا على سطحية الأمور، ولا تبقوا على سطحية الحياة، إذهبوا إلى العمق، لأنّكم في العمق تلتقون بذاتكم وبالله وتكتشفون سرّ الله الذي هو سرّ المحبّة التي تبذل ذاتها في سبيل من تحبّ.

وأنتم قادرون على الذهاب إلى العمق لأنكم جميعاً مستعدون للمغامرة. الحياة الكشفية هي مغامرة وكلّكم مستعدّون للمغامرة. لا نريد أن نعيش على سطحية هذه الحياة. نحن جديرون أن نغامر في سبيل يسوع المسيح، ونريد أن نغامر. وفي العمق نحن لا نعود نخاف لا من الأمواج ولا من العواصف التي تعصف على سطح المياه؛ وإذا كنا في العمق فلا تؤثّر علينا. لذلك علينا أن نفعل كبطرس الذي قال ليسوع: « يا رب لقد تعبنا الليل كلّه، تعبنا كثيراً ولم نصطد شيئاً». وهذه هي ثالث نقطة تأمّل، ولكن أنت المعلّم، أنت الرب، نحن نسمع كلمتك، وكلمتك هي الحقّ وهي التي تبقى لأنها كلمة الله. لهذا نحن سنلقي الشباك ونحن متأكدون أن صيدنا سيكون وفيراً، ولن نعود وأيدينا فارغة لأنك أنت معنا، لأن كلمتك هي تقوينا، لأن كلمتك هي ثقة، ونحن كلنا ثقة فيك.

أخيراً، أقول لكم، إنطلاقاً من الحياة التي نعيشها اليوم، إنطلاقاً من الظروف الصعبة التي تمرّ علينا: إيماننا كبير بيسوع المسيح، ونحن لا نخاف من عواصف العالم لأنها لا تمسّ في عمقنا، وفي عمق إيماننا وثقتنا بك يا يسوع المسيح. مهما جرى من حولنا من حروب وإضطهادات ووحشية وصل إليها البعض اليوم، نحن لا نتأثر بها. العواصف تمرّ، ونحن نبقى. إيماننا كبير بيسوع، وبناءً على كلمته نحن نكمل مغامرتنا. لا تخافوا مما يجري من حولنا وهو لا يعبّر عن أي قيم وعن أي دين من الديانات. ومن يقوم بفعل العنف والحقد والحروب والوحشية لا يمتّ إلى أي دين بصلة، لا إلى الإسلام ولا إلى المسيحية ولا إلى اليهودية. كونوا أكيدين أن هؤلاء هم «لا بشر»! ولكن نحن لا نخاف منهم. وحضورنا المسيحي الشاهد سيبقى هو العلامة الفارقة في هذا الشرق. وهذا الشرق الأوسط الذي هو أرض المسيح، الأرض التي اختارها الله ليتأنّس فيها إبنه يسوع المسيح ويموت على الصليب فيها لكي يخلصنا، هي أرض القداسة، وهي أرض الله، ونحن مؤتمنون، عليها ونحن أهل للمغامرة، وسنحمل مسؤوليتنا حتى النهاية. لا تخافوا ! هكذا ربّتنا الكشفية أن نحب المغامرة ونبقى رسل المسيح على أرض المسيح، بدون خوف. لقد تخطيّنا عقدة الخوف منذ مئات السنوات. ومن يتخطى عقدة الخوف يكون حرّاً، يعيش بحرية، لا تيأثر بأي صعوبة أو أي عقبة تعترض طريقه. نحن نريد أن نبقى رسل المسيح على أرض المسيح، لا تخافوا !

أريد أن أتوجّه إلى إخوتنا، كبارنا مؤسسي الحياة الكشفية في لبنان، الذين تعبوا عليها وحملوا هذه الرسالة، أتوجه إليهم وأقول: إطمئنوا. لقد سلّمتم الشعلة إلى شبيبة اليوم، وهم على قدر المسؤولية. إطمئنوا لأنهم سيكونون أولاً وآخراً رسل المسيح مثل سمعان بطرس ورفاقه، لأن ثقتهم ستبقى كبيرة بيسوع المسيح، وسيبقون حاملين رسالة المحبة والمصالحة، رسالة إحترام الإنسان بحريته وكرامته، رسالة وطنهم لبنان الذي سمّاه القديس البابا يوحنا بولس الثاني « الوطن الرسالة» للعالم كله. هذا الوطن الذي تعب عليه آباؤنا وأجدادنا، مسيحيون ومسلمون، تعبوا لكي يبنوه ويبقى رسالة في العيش الواحد المشترك، لكي يبقى رسالة في المحبة والإنفتاح، رسالة في الحرية والكرامة. إذاً، نحمّلكم هذه الشعلة اليوم وبالنا مطمئن. مع يسوع لا تخافوا ! إطمئنوا على مستقبلكم، على مستقبل كنيستكم، على مستقبل وطنكم. أنتم المستقبل، وأنتم من سيبني من جديد هذا الوطن على القيم التي تربيتم عليها في عائلاتكم وفي الحركة الكشفية. أرجو أن تردّدوا معي: يا يسوع، يا معلّم، بناءً على كلمتك سنخوض المغامرة. آمين. 

Photo Gallery