عظة المطران خيرالله في قداس « دليلات لبنان» 26/10/2014- كفرحباب

 


عظة المطران منير خيرالله

في قداس « دليلات لبنان»

الأحد 26/10/2014، في مدرسة القلبين الأقدسين- كفرحباب

 

« يا لك عبداً صالحاً أميناً، كنتَ أميناً على القليل فسأقيمك على الكثير» (متى 25/21)

 

حضرة الخوري شكرالله (الغزال) المرشد العام لجميعة دليلات لبنان

إخوتي الكهنة

أخواتي الراهبات

إخوتي وأخواتي المفوّضين في كشافة لبنان ودليلات لبنان

أخواتي دليلات لبنان،

 

تحية كشفية في هذا الصباح الذي فيه نمجّد الله.

بفرح كبير أشارك معكنّ للمرة الأولى، كمطران مشرف على جمعية دليلات لبنان التي أدخلناها مؤخراً في مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، على غرار كشافة لبنان، لأني أعتبر أننا عائلة واحدة ومرجع تنشئتنا واحد، والتزامنا المسيحي واحد، فننطلق معاً ككشافة وكدليلات في خدمة كنيستنا وخدمة وطننا. فرحتي أكبر أن أشارك معكم لأوّل مرة في الجمعية العمومية وفي إطلاق موضوع السنة الكشفية الجديدة 2014-2015 وتوجيهات المكتب المركزي لجمعية دليلات لبنان على المستوى الوطني. والموضوع العام يندرج تحت شعار « أن نؤمن بقدرة أحلامنا»، أي الإيمان والثقة: الإيمان بالله والثقة بالنفس من أجل استثمار القدرات التي يمنحنا الله إياها في خدمة كنيستنا ووطننا. والتربية الكشفية تهدف في الأساس إلى بناء مؤمنين بالله ومواطنين مسؤولين يستطيعون أن يحلموا بتغيير المجتمع الذي يعيشون فيه نحو الأفضل.

لقد تربيّنا في الكشفية على مبدأ التخطيط للأفق البعيد: كانوا يعلّمونا يقولون لنا في تنشئتنا الكشفيّة: إذا أردت أن تخطط لسنة فازرع الخضار؛ وإذا أردت أن تخطط لعشر سنوات فازرع شجرة؛ وإذا أردت أن تخطط لمئة سنة عليك أن تبني الإنسان.

هكذا تربينا في الكشفية، وهكذا تربينا في الكنيسة، وهكذا علينا أن نفكّر معاً.

وإذا أردنا تحقيق أحلامنا، على المدى البعيد وجب أن يكون لدينا جهد متواصل ومستمر ونعمة الصّبر. وإذا لم نجنِ نحن الثّمر، تجنيه الأجيال الآتية من بعدِنا. نحن في لبنان بنوع خاص مطلوب منا أن نحافظ على تراث كنيستنا وشعبنا ووطننا، لأنّ وطننا وطن مميّز.

لبنان هو وطن رسالة، كما قال لنا القديس البابا يوحنا بولس الثاني: « وطنكم لبنان هو وطن رسالة»، رسالة لكلّ البلدان في العالم لأنّ الذي تعيشونه أنتم هنا لا يعيشه أي بلد آخر أنتم أعطيتم للعالم كلّه نموذج العيش الواحد المشترك المسيحي- الإسلامي لأن أجدادكم تعبوا وضحّوا ودفعوا دماً ليبنوا هذا الوطن، وأنتم اليوم تنعمون برسالته بالرغم من كلّ العواصف التي تعصف فيه. لا تخافوا ! إلتزامنا بالإيمان بالله أوّلاً يجعلنا نعود إلى تاريخ الخلاص لنستخلص خطة عمل منها نستوحي توجيهاتنا لهذه السنة. والمثال الأفضل لنا يكمن في شخص ابراهيم الذي آمن بالله فوعده بأن يجعله « أباً لعدد كبير من الأمم» (تكوين 17/5). ويقول القديس بولس: « آمن ابراهيم راجياً على غير رجاء فأصبح أباً لعدد كبير من الأمم. ولم يضعف إيمانه حين رأى جسده قد مات وأن رحم ساره قد ماتت أيضاً، بل قوَّاه إيمانه فمجَّدَ الله متيقّناً أن الله قادر على إنجاز ما وعد به» (روما 4/18-21).

أما في العهد الجديد، فبطرس والرسل هم مثالنا الأول في الإيمان بيسوع المسيح الابن الذي كشف سرّ الله المحبّة المطلقة وبذل نفسه موتاً على الصليب في سبيل خلاص البشر محققاً ملكوت الله في ما بينهم. وبالرغم من ضعفهم وخطاياهم ونقصهم والصعوبات التي اعترضتهم، آمنوا بيسوع المسيح ووضعوا ثقتهم الكاملة به. نتذكر مار بطرس الذي سلّمه المسيح قيادة الكنيسة، فأنكره أمام الموت لأنه خاف، ولما عاد وتاب قال له يسوع: « متى عدت فثبّت إخوتك». وانطلقت الكنيسة في رسالتها في العالم، رسالة الخلاص، حاملة فرح البشارة بالإنجيل، فرح بشارة الخلاص للجميع. وضع الرسل ثقتهم الكاملة بيسوع الذي قال لهم:

« إذا ثبتّم فيّ وثبت كلامي فيكم فاسألوا ما شئتم يكنْ لكم» (يوحنا 15/7).

« سيكون لكم في العالم ضيق، لكن ثقوا أنا غلبت العالم» (يوحنا 16/33).

« إذهبوا في الأرض كلها وتلمذوا جميع الأمم، وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلّموهم أن يحفظوا كل ما أوصيتكم به، وهاءنذا معكم طوال الأيام إلى نهاية العالم» (متى 28/18-20).

ومن خلال الرسل وخلفائهم والكنيسة، يتابع يسوع المسيح عمله الخلاصي بين البشر.

من هنا مسؤوليتنا الكبيرة، في الوزنات التي أعطانا إيّاها الله، كما سمعنا في الإنجيل، أعطانا كلّاً حسب قدرته. هذه المواهب والوزنات أُعطيت لنا مجاناً؛ وعلينا نحن أن نبرزها ونحترم كلّ موهبة، ونعمل معاً على بناء الوطن والإنسان.

آمنوا إذاً « أن الله قادر أن يعمل كل شيء من خلالكم» (يقول القديس بولس في أفسس 3/20). إحلموا، آمنوا، وضعوا ثقتكم بالرب، وإنّه قادر على تحقيق أحلامكم في تغيير المجتمع الذي تعيشون فيه وتحقيق ملكوت الله، ملكوت العدالة والمحبة والسلام.

أما المحاور الثلاثة التي يقترحها عليكم المجلس المركزي لتحقيق شعارنا لهذه السنة، فهي:

1-  التغيير على المستوى الشخصي: أن أؤمن بقدرتي، بالوزنة التي وهبني إيّاها الله على تغيير ذاتي من أجل تحسين حياتي وسلوكي والتزامي في خدمة من يعيشون معي. فأتحمّل مسؤولياتي الكنسية والوطنية وأنمّي شخصيتي أولاً في المواهب التي منحني إياها الله.

2-  التغيير على مستوى الجماعة: أن أؤمن بأني أستيطع أن أغيّر في الجماعة التي أنتمي إليها ثقافياً وتربوياً وإنمائياً وإجتماعياً وعائلياً ووطنياً. وكدليلات لبنان نعمل على تحقيق مشاريع تجدّدية وفاعلة تساعد على إنماء جماعاتنا وازدهارها.

3-  التغيير على المستوى الروحي: أن أؤمن أنني أستطيع أن أكون بإيماني مرجعاً لإعلان الإنجيل بفرح وانطلاقاً من علاقتي الروحية المميزة مع الله الآب بابنه يسوع المسيح وبنعمة روحه القدوس. فنشعّ معاً، نحن دليلات لبنان، بوهجنا الروحي وبالتزامنا المسيحي ونعمل على اقتراح لقاءات روحية تساعد على تنمية ثقتنا بالله تجعل منا رسل محبة ومصالحة وسلام في عالمنا.

أقول لكم اليوم: مع يسوع، لا تخافوا أن تحلموا. حافظوا على إيمانكم الكبير، وثقتكم الكاملة به. تعرفون أننا في الحياة الكشفية قادرون على تغيير أمور كثيرة. كبارنا الذين سبقونا غيّروا في الوطن والمجتمع وكانت لهم أفضال كثيرة نذكرها بالخير.

لا تخافوا إذاً كلّ ما يجري حولنا لا يخيفنا. مرّ علينا الكثير في تاريخ كنيستنا وشعبنا ووطننا؛ مرّت حروب وإضطهادات، وإحتلالات، لم تقوى علينا. إطمئنوا ! حتى لو بالإستشهاد وبالدّم نحن باقون لأنّنا نحمل رسالة المسيح على أرض المسيح. لا تخافوا !

والوحشية التي نراها كلّ يوم لا تخيفنا، لأنّ هذه العاصفة ستعبر، وأمّا نحن فباقون؛ باقون على أرض المسيح. فهذه أرض مقدسة ونحن شعب مقدّس، وهذه الأمور لا تخيفنا لأنّنا تخطّينا عقدة الخوف منذ مئات السنوات، مع المسيح الذي مات من أجلنا ومع كلّ من سبقونا في الكنيسة واستشهدوا في سبيل أن نبقى نحن لنعلن إيماننا بيسوع المسيح. معهم تخطينا عقدة الخوف وتحرّرنا. من يعيش حرّاً يكون قادراً أن يعمل ما يريد بدون خوف، ويخدم الكنيسة والمجتمع والوطن. هذه هي رسالتنا في الحياة الكشفية وكمسيحيين ملتزمين.

تعالوا إذاً نجدّد إيماننا بالله وثقتنا الكاملة به ونعمل معاً على بناء مستقبلنا بالقدرات التي منحنا إياها الله ونطوّر مجتمعنا نحو الأفضل، لأن كنيستنا ستبقى رسولة المسيح في محبة الجميع دون إستثناء، ووطننا لبنان سيبقى الوطن الرسالة بالمحبة والسلام والمصالحة والإنفتاح واحترام التعدديّة، تعددية الأديان والطوائف والثقافات والحضارات، لبنان سيبقى الوطن الرسالة.

أخواتي الدليلات، أنتنّ قادرات على تحقيق هذا الحلم الكبير بقوّة يسوع المسيح وشفاعة العذراء مريم وجميع القديسين. آمين.