عظة المطران منير خيرالله
في قداس وضع حجر الأساس لبناء صالة رعية سيدة المعونات- عرطز
السبت 9/5/2015
« ما بالكم مضطربين ؟ ولماذا تخالج هذه الأفكار قلوبكم» (لوقا 24/38)
حضرة الخوري مارون (فرح) خادم هذه الرعية الحبيبة
أحبائي جميعاً أبناء وبنات عرطز
تعرفون ما لهذه الرعية من محبة في قلبي؛ ليس فقط منذ أيام الخوري طانيوس الحكيّم الذي كانت تربطني به علاقة صداقة وتقدير، ولكن لأن لعرطز مكانةً محترمة في الكنيسة وفي المجتمع لما أعطته من كهنة ورهبان وشخصيات خدموا الكنيسة والوطن بإخلاص وتضحية.
حضوري معكم اليوم ما هو إلاّ شكرٌ لله عنكم وعن ما أعطت رعيتكم. كنت أعتقد أن سلسلة الكهنة والرهبان الذين قدّمتهم عرطز والفتاحات إلى جانبها، من آل الحكيّم وغيرهم، قد توقفت. ولكني أشكر الله على نعمة دعوة رهبانية جديدة تنمو في ما بينكم.
ولعرطز أيضاً في مسيرتي الأسقفية مكانة مميزة؛ إذ إني بعد أن صرتُ مطراناً ورحتُ أختار الأشخاص الذين سأتعاون معهم، كان الدكتور نبيل الحكيّم، ابن هذه الرعية، من بين الحكماء الإثني عشر في مجلس الشورى.
حضوري معكم اليوم هدفُه أن نفتح صفحة جديدة وأن نتجدّد.
نحن في مسيرة مجمع أبرشي يهدف إلى التجدّد: التجدّد الروحي أولاً، ثم التجدّد في الأشخاص، ثم التجدّد في المؤسسات.
جميعنا مدعوون إلى التجدّد بالعودة إلى جذورنا الروحانية، إلى روحانية آبائنا القديسين، من مار مارون ومار يوحنا مارون إلى بطاركتنا ومطارنتنا ونسّاكنا، من وادي قنوبين إلى وادي البترون بين تنورين وحردين وجربتا وكفيفان. والتجدّد الروحي يفرض علينا أن نلبّي دعوة الله إلى القداسة لأننا قادرون أن نتقدس. مدعوون إلى التجدّد على مستوى أشخاصنا؛ فنربّي أولادنا وأجيالنا الطالعة على القيم التي تربّينا عليها وعلى إيماننا بالله وثقتنا به. وبعدها نتجدّد في مؤسساتنا، بدءاً من دوائر مطرانيتنا ورعايانا وكنائسنا ومجالسنا وجمعياتنا ولجان أوقافنا؛ فيشعر فيها المؤمنون كأنهم في بيتهم. فالكنيسة هي كنيسة البشر أكثر ما هي كنيسة الحجر. وعندما نبني الحجر، فالغاية هي استقبال البشر، استقبال المؤمنين ليستطيعوا أن يبنوا علاقة مميزة مع الله أولاً، ومع بعضهم البعض ثانياً.
هذه هي روحانيتنا المارونية التي تركها لنا مار مارون وثبّتها تلاميذه وشعبه من بعده على مدى الأجيال؛ ونسمّيها الروحانية النسكية، روحانية الصليب، التي تقوم على بُعدَيْن: البُعد العمودي الذي يمثل علاقتنا مع الله، والبعد الأفقي الذي يمثل علاقتنا مع بعضنا البعض. هكذا نكون جميعنا كنيسة المسيح في أرضنا المقدسة، أرض البترون.
في إنجيل اليوم، يتراءى يسوع لتلاميذه ليثبّتهم في إيمانهم ورجائهم، ويقول لهم: « ما بالكم مضطربين ؟ ولماذا تخالج هذه الأفكار قلوبكم ؟». لقد كنت معكم وكلّمتكم وعلّمتكم أن يسوع المسيح ابن الله يجب أن يموت على الصليب بعد أن يسلمه شعبه ويتألم، وفي اليوم الثالث يقوم، وسيبقى معكم إلى دهر الدهور. لا تخافوا ! لكن رسالتكم هي أن تسيطروا على الخوف الذي يسكن قلوبكم وتنطلقوا في العالم، بدءاً من أورشليم وإلى أقاصي الأرض، وأن تبشروا الناس بالخلاص وبأن الله يحبّهم لدرجة أنه ضحّى بابنه يسوع لكي يفتديهم. قولوا لهم: إن الله يحبّكم، وعليكم أن تحبّوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم.
واليوم يسوع حاضر معنا ويقول لنا جميعاً، نحن أبناء هذه الرعية، وأبناء البترون، وأبناء لبنان الذي مرّ على الحرب فيه أربعون سنة، وبخاصة نحن المسيحيين في الشرق الأوسط الذين ندفع ثمن الحروب الإرهابية والهمجية: لا تخافوا ! سيضطهدونكم كما اضطهدوني من قبلكم. لكن ثقوا أنا غلبت العالم. ستكونون معي في الملكوت. لا تخافوا ! ما يمرّ عليكم اليوم من محن ليس أصعب وأقسى ممّا مرّ على آبائكم وأجدادكم على مرّ التاريخ؛ وقد ثبتوا في إيمانهم وأدّوا شهادتهم ونقلوا إليكم حبّهم لله ولأرضهم المقدسة بالرغم من الاحتلالات والاضطهادات والنزوحات على يد السلطنات على أنواعها. لا تخافوا إذاً ! نحن أقوياء بالمسيح؛ نحن أقوياء بوحدتنا وتضامننا وشهادتنا بالمحبة لجميع إخوتنا الذين نعيش معهم، مسيحيين وغير مسيحيين. قيمتُنا على هذه الأرض أننا عشنا بحرية وكرامة ورأس مرفوع. قيمتنا بالتربية الصالحة التي تربيّنا عليها في القيم المسيحية والإنسانية والتي نربي عليها أولادنا.
حضوري معكم اليوم هو لافتتاح مشروع جديد للرعية، مشروع صالة تجمعنا بالقرب من الكنيسة في كل مناسباتنا. فتكون مرجعاً ومكاناً للتواصل والوحدة والتضامن في ما بيننا ولشكر الله وتمجيده على النِعم التي يوزعها علينا.
أريد أن أشكر الله عنكم جميعاً، وعن كل شخص تعب وجاهد وضحّى في تحضير هذا المشروع: خوري الرعية والأستاذ فرنسوا الحكيّم الذي كان قريباً مني في مرافقة المشروع، والمهندس إيلي السمراني الذي قام بالدراسات اللازمة. وأشكر الله معكم عن جميع الذين سيتعبون ويضحّون ويتبّرعون لتنفيذ هذا المشروع الضروري للرعية. والرب وحده يعرف كيف يكافئ كل واحد منهم. يبقى علينا أن نتوحّد ونتضامن ونجتمع في المحبة.
بارك الله جهودنا وسدّد خطواتنا بشفاعة العذراء مريم سيدة المعونات، ونحن في الشهر المكرّس لتكريمها، لإعلاء هذا البناء ولتمجيد الثالوث الأقدس. آمين.