عظة المطران منير خيرالله
في قداس ليلة عيد سيدة الزروع وافتتاح ثلاثية الذكرى الحادية عشرة لإعلان قداسة الأب نعمة الله الحرديني، مع مسبحة « أولاد العذراء»
14/5/2015، دير مار قبريانوس ويوستينا- كفيفان
« صلاة المسبحة الوردية تساعدنا على التعميّق بإيماننا.... مع مريم»
« السلام عليك يا ممثلئة نعمة، الرب معك»، « مباركة أنتِ في النساء، ومباركة ثمرة بطنك». سلام الملاك وهتاف أليصابات يكوّنان نواة الصلاة المريمية، صلاة المسبحة الوردية، التي تهدف إلى التأمل بيسوع وبأسراره الخلاصية مع مريم. لأن مريم هي مثال المتأمل بيسوع، كما يقول القديس البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته « وردية العذراء مريم»، وهي التي تعرفه عن كثب وتساعدنا على الدخول في عمق سرّه الإلهي. هي التي رافقته ومشت معه كل طريق الخلاص، منذ أن قالت نَعم للملاك ولإرادة الله، وحبلت به وحملته في أحشائها تسعة أشهر وولدته في مغارة بيت لحم، حتى وقفت أمامه على أقدام صليبه. في كل ذلك لم تفارقه عيناها المتأملتان به لتمجيده وعبادته.
وكل مرة نصلّي المسبحة الوردية، ونتأمل بأسرارها، ندخل في « مدرسة مريم» لنتعلّم ونتعرّف أكثر إلى يسوع المسيح ونتعمّق في أسراره ونفهم رسالته الخلاصية. فتدعونا مريم إلى أن ندخل، كما دخلت هي، إلى نور الله وأسراره، وأن نقول معها: « ها أنا أمة الرب، فليكن لي بحسب قولك»، وأن نعترف بأنه « لا لحم ولا دم يُظهران لنا سر يسوع المسيح ابن الله الحي، بل الآب الذي في السماوات».
صلاة المسبحة الوردية، بأسرارها الخمسة عشر وبسلاماتها المائة والخمسين التي توازي عدد الزامير، هي ملخّص للإنجيل إذ تذكر مراحل سر التجسد (أسرار الفرح)، ومراحل سر الفداء في الآلام والموت (أسرار الحزن)، ومراحل سر القيامة والمجد (أسرار المجد). ولكنها لا تذكر حياة يسوع العلنية وإعلانه عن تحقيق ملكوت الله. لذا فإن البابا يوحنا بولس الثاني يقترح، دون أن يُلزم، أن يزيد على المسبحة خمسة أسرار جديدة يسمّيها « أسرا النور» لتساعدنا على التأمل في حياة يسوع وأعماله بين المعمودية والآلام.
- أسرار الفرح: تتميز بالبهجة التي تُشرق من حدث التجسد. بهجة مريم التي تعرف من الملاك أنها ممتلئة نعمة وستصبح أماً لابن الله. بهجة أليصابات التي التقت « بأم الرب» وارتكض الجنين بفرح في بطنها. بهجة الملائكة والرعاة بولادة يسوع. بهجة سمعان الشيخ الذي يضّم بين ذراعيه المخلّص المنتظر. وبهجة العلماء بوجود يسوع بينهم.
- أسرار النور: سر المسيح « نور العالم» يظهر في حياته العلنية وهو يبشر بملكوت الله. من الكشف عن السر الثالوثي في معموديته في نهر الأردن، إلى الكشف عن قدرته الإلهية في عرس قانا الجليل، إلى الإعلان عن تحقيق ملكوت الله والدعوة إلى التوبة لنيل رحمة الله اللامتناهية، إلى التخلّي في مجد الألوهة، إلى تأسيس الإفخارستيا حيث يجعل يسوع من جسده طعاماً ومن دمه شراباً تحت شكلي الخبز والخمر لخلاص البشر.
- أسرار الحزن: تعطي الأناجيل أهمية كبرى لأسرار الحزن لأنها تتفهّم أن الآلام هي قمة محبة الله للبشر وينبوع الخلاص. ومسيرة الحزن تبدأ في جبل الزيتون حيث يواجه يسوع الضعف البشري وإرادة الآب، ويقول « لتكن مشيئتك»، ويدفع الثمن الذي هو الجَلْد والتكليل بالشوك وحمل الصليب والموت عليه. وفيها تتجلى محبة الله المطلقة للبشر.
- أسرار المجد: التأمل بيسوع لا يمكن أن يتوقف عند صورة المسيح المصلوب، إنه القائم من الموت. وصلاة الوردية تدعو المؤمن إلى تخطّي ظلمة الآلام والموت للوقوف أمام مجد المسيح القائم من الموت والصاعد إلى السماء ليجلس عن يمين الآب. وتدعوه إلى الشهادة ليسوع مع مريم التي اختبرت مع ابنها طعم الحياة الجديدة في مجد الملكوت بانتقالها بالنفس والجسد وبتكريسها سلطانة على السماء والأرض. وبين المرحلتين تظهر الكنيسة مجتمعة وموحّدة حول مريم لقبول الروح القدس والانطلاق في الرسالة الإنجيلية.
صلاة المسبحة الوردية تساعدنا على التعمّق بإيماننا والاعتراف به.
وفي صلاة المسبحة نرافق مريم وهي تتأمل سرّ يسوع إبنها، ابن الله، ونعترف بدورها في التدبير الخلاصي. هي التي، منذ أن حلّ ملء الزمن، رافقت ابنها منذ قبولها بشارة الملاك معلنةً بأنها أمة الرب حتى وقوفها على أقدام الصليب تتألم بقوة مع ابنها الوحيد مشتركة بقلبها الأمومي في ذبيحته. فكانت مثالاً في الإيمان والطاعة، محافظةً بكل أمانة على الاتحاد مع ابنها حتى الصليب. لذلك بقيت متحدةً معه في القيامة بالمجد الذي أولاها إياه.
ومريم هي اليوم معنا. وكلّما صلّينا مسبحتها، تدعونا إلى أن نكون مثلها متّحدين بابنها يسوع. وهي بشفاعتها لا تزال تحصل لنا على النعم التي تؤكّد خلاصنا الأبدي.
وفي ليلة عيدها، الذي كان يعيّده أجدادنا وآباؤنا لسيدة الزروع، يمطر الله علينا بشفاعتها المياه الغزيرة ليسقي أرضنا.
لا تخافوا إذاً ! طالما أن عندنا شعب يعيش بأمانة وإخلاص إيمانه واتحاده بالمسيح بشفاعة العذراء مريم، كما يقول الأب يواكيم مبارك، وطالما أن عندنا كاهن يحمل أيقونة العذراء ويختفي وراءها تجاه شعبه، وأن عندنا صوت حنون يرنّم « يا أم الله يا حنونة»، فلا خوف علينا. آمين.