قداس المطران خيرالله في فوروم دو بيروت، لقاء تجمع يسوع فرحي 17-5-2015

 

عظة المطران منير خيرالله

في لقاء تجمع يسوع فرحي 2015

في الفوروم دو بيروت تحت عنوان « ولدتُ لك»

الأحد 17 أيار 2015

 180

إخوتي الكهنة،

أخواتي الراهبات،

أحبائي الشباب والصبايا

        أتصور نفسي معكم اليوم في عنصرة قبل العنصرة ! وكأننا في علّيّة صهيون، مع مريم والدة الإله وأم الكنيسة، ننتظر الروح القدس.

في علّيّة صهيون تجمّع الرسل والتلاميذ بعد موت يسوع وراحوا يعيشون بخوف واضطراب ويأس وقلق على مصيرهم. ولم تتبدّد هواجسهم حتى بعد أن قام يسوع وتراءى لهم وبعد أن رأوه صاعداً إلى السماء. فتراءى لهم « رجلان في ثياب بيض وقالا لهم: أيها الجليليون، ما بالكم قائمين تنظرون إلى السماء ؟ فيسوع هذا الذي رُفع عنكم إلى السماء، سيأتي كما رأيتموه ذاهباً إلى السماء» (أعمال 1/10-11)؛ سيعود ويكون معكم إلى الأبد؛ إذهبوا وافعلوا ما قال لكم.

ولما حلّ الروح القدس، تحوّل كل شيء. نسى الرسل الحزن والقلق وتخطّوا الخوف الذي كان ساكناً في قلوبهم، وانطلقوا إلى العالم كله يعلنون بشارة الخلاص بفرح كبير ويعيشون المحبة. واستطاعوا، وكان عددُهم اثني عشر رسولاً واثنين وسبعين تلميذاً، أن يتحدّوا المبراطورية الرومانية ويدخلوا فيها ويعيّروها من الداخل؛ وكل ذلك لم يكن بفضل عددهم أو سلاحهم أو ثقافتهم الفلسفية، بل بقوة المسيح الذي أرسلهم، المسيح القائم من الموت والحاضر أبداً معهم وبنعمة الروح القدس الذي أوحى إليهم ما يبشرون به.

هكذا انطلقت الكنيسة في العالم منذ ألفي سنة، وشهدت بالمحبة على حضور المسيح فيها. فكانت أقوى من الأمبراطوريات والسلطنات وتحمّلت الاضطهادات ودفعت ثمنها مئات وآلاف الشهداء كانوا بذار نموّ الكنيسة وانتشارها.

وجاءت شفيعتاكم، تريزا الأڤيلية وتزيزيا الطفل يسوع، يعلّماننا أنه، في قلب الكنيسة، ممنوع اليأس والاستسلام والتراجع عن دورنا ومسؤولياتنا ورسالتنا. علَّمتنا تريزا الأڤيلية أن نقول « ولدتُ لك ياربّ. فافعل بي ما تشاء»، كما قالت مريم للملاك بعد أن نقل إليها البشارة بالحَبَل الإلهي: « ها أنا أمة الرب فليكن لي بحسب قولك». وتريزيا الطفل يسوع شفيعتُكم قرّرت من ديرها مع الكرمليات أن تساند الكنيسة في عملها الرسولي بالصلاة من أجل الكهنة والمرسلين، وأن تكون نبضات الحبّ في قلب الكنيسة. فأصبحت شفيعة المرسلين. ترازا الأڤيلية وتريزيا الطفل يسوع استطاعتا، من داخل الدير، أن تغيّرا وجه العالم.

ونحن اليوم، الشباب والصبايا المسيحيين في لبنان والشرق الأوسط، نعيش معاناةً كبيرة حاملين صليبنا ونحاول أن نتحرّر من الاضطراب واليأس والقلق على المصير وتجربة الهروب. مثّل بعض منكم منذ قليل أمامنا هذه الحالة في الحياة اليومية. نقول لكم: وصلت الرسالة. الكنيسة أمُّكم، الكنيسة تفهمكم وتتفهم هواجسكم وتحمل همومكم. أنتم مستقبل الكنيسة. ونحن اليوم في عنصرة. نحيا الرجاء بالرب يسوع المسيح الذي يقوّينا. وإذا أراد الرب أن ندفع الثمن، كما فعل المسيحيون منذ بداية الكنيسة، إذ إنهم كانوا يحبّون العالم والعالم يكرههم، سنقبل بذلك ونبقى نحبّ العالم ونسامح ونغفر؛ هكذا نقدّس العالم الذي نعيش فيه.

تذكّروا كيف عاش شفعاؤنا الثلاثة – الحرديني وشربل ورفقا – في أواسط القرن التاسع عشر في الزمن الذي كانت كنيستنا وكان شعبنا يعيشون مأساةً قاسية ويعانون الاضطهاد والمجازر؛ فتقدّسوا لأنهم صلّوا وهم في الدير من أجل كنيستهم؛ فبقيت صامدةً وخرجت من هذه المأساة وعادت تشهد بالمحبة والمغفرة والمصالحة والانفتاح واحترام الإنسان، وعلّمت أبناءها وبناتها أن يكونوا رسل السلام، رسلَ الحرية والكرامة، رسل الثقافة والعلم في سبيل بناء المجتمعات والأوطان. هذا هو لبنان الوطن الرسالة، كما قال عنه القديس البابا يوحنا بولس الثاني. بفضلكم، كما بفضل آبائنا وأجدادنا، سيبقى لبنانُ وطناً رسالة لكل بلدان العالم في العيش الواحد المشترك بالمحبة والحرية واحترام التعددية.

يا شبابنا وصبايانا، أنتم تحملون مسؤولية كبيرة من يسوع، لأنكم تقولون مع القديسة تريزا « وُلدنا لك»، لنكون رسلاً للمحبة والمصالحة والسلام، لنكون خميرة في مجتمعاتنا. والخميرة لا تقاس بكميّتها بل بنوعيّتها؛ الخميرة تخمرّ العجين كلّه.

إخوتي الشباب والصبايا، أنتم خميرة لبنان وخميرة هذا الشرق. مسؤوليتكم أن تخمّروا كل هذا الشرق بالمحبة والسلام؛ ومسؤوليتكم أن تتخطوا الخوف الذي يسكن في قلوبكم؛ أن تتخطوا القلق على المصير. لا تخافوا ! أنتم رسل المسيح، رسل الفرح، يسوع فرحكم. أنتم رسل الفرح في مجتمعكم اليائس والبائس، أنتم رسل الحرية والكرامة، أنتم رسل القيم. لا تقبلوا أن تعيشوا في مجتمع اليوم من دون قيم؛ لا تقبلوا أن يشتروكم ويبيعوكم، ويتاجروا بكم؛ ولا تقبلوا بدولة ليست دولة، وبمؤسسات ليست مؤسسات. أنتم المجتمع، وأنتم مستقبل الدولة؛ لا تقبلوا أن ينعتوكم بــ «معتّرين» لأخلاقكم وقيمكم. فأنتم الأساس، أنتم حجر الأساس في بناء هذا الوطن، وأوطاننا في الشرق الأوسط، بإعادة بناء شعوبنا المتعطشة إلى حرية وكرامة. أنتم رسل العيش الواحد المشترك، وأنتم تعلّمون العالم أنكم قادرون على العيش معاً، مسلمين ومسيحيين ويهوداً؛ قادرون على العيش بمحبة، لأنكم ولدتم بالمسيح، ولدتم ولادة ثانية. وأنتم مثل تريزا شفيعتكم؛ أنتم المُصْلِحون، قادرون أن تُصلحوا المجتمع والوطن. لا تخافوا. نحن أقوياء بكم، وكلنا رجاء بمستقبل عامر أنتم ستبنونه. لا تتّكلوا على أحد سوى على الرب يسوع؛ عيشوا علاقتكم الخاصة والشخصية مع المسيح، فتقدروا أن تغيّروا العالم. عيشوا المحبة، العلامة الفارقة لكل المسيحيين « أحبّوا بعضكم بعضاً، فيعرف العالم أنكم حقيقة تلاميذ المسيح». لا تخافوا ! بالفرح، أنقلوا هذا النداء إلى إخوتكم وإلى العالم. عيشوا فرح أنكم ولدتم بالمسيح، وأنكم أساس المجتمع والوطن. إخوتُنا المسيحيون في بلدان الشرق الأوسط حولنا ينتظرون منا شهادة، نحن قادرون أن نعطيها. لا تخافوا ! حتى ولو دفعنا الثمن شهوداً وشهداء، نحن كنيسة المسيح، على أرض المسيح، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها !

اليوم في روما تعلن قداسة راهبتين من أرض المسيح، من أرضنا، من فلسطين، في هذه الظروف الصعبة، في الشرق الأوسط الذي يشتعل بالحروب والحقد والضغينة والتطرف والتعصب. هذا يعني أننا قادرون أن نعطي قديسين. أنتَ، قادر أن تكون قديساً، وأن تغيّر العالم. هل أنتم مقتنعون بما أقول ؟ قولوا معي إذاً: « نحن وُلدنا لك يا يسوع؛ نحن لك يا يسوع؛ أنت فرحنا، أنت رجاؤنا، أنت سلامنا، وأنت مستقبلنا». آمين.  

Photo Gallery