زيارة صاحب الغبطة والنيافة البطريرك مار بشاره بطرس الراعي الكلي الطوبى
إلى أبرشية البترون، السبت 23/5/2015
الوكالة الوطنية- لميا شديد أمينة سرّ اللجنة الإعلامية في أبرشية البترون
لبى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي دعوة أبرشية البترون المارونية لزيارة راعوية بارك فيها مشروعين تطلقهما الابرشية، وزار عددا من الرعايا والدير الأم لراهبات العائلة المقدسة المارونيات حيث ضريح البطريرك الياس الحويك. كما قدم التعازي لعائلة الشهيد المعاون في مكتب مكافحة المخدرات إدمون رياض سمعان الذي استشهد في تبادل اطلاق النار مع احد مهربي المخدرات في الحمودية منذ ثلاثة أيام. ورفعت اللافتات واقيمت اقواس النصر على الطريق العام من جسر المدفون مرورا ببلدتي تحوم وراشانا وصولا الى سمار جبيل. كما رفعت الاعلام اللبنانية واعلام البطريركية والابرشية على طول الطريق الذي سيسلكه الراعي خلال جولته.
المحطة الأولى: سمار جبيل
استهل الراعي جولته البترونية في كنيسة مار نهرا في بلدة سمار جبيل التي وصل اليها يرافقه المطران يوحنا علوان، وكان في استقباله راعي الابرشية المطران منير خيرالله، المطران بولس اميل سعاده، المونسينيور اميل شاهين وخادم الرعية الخوري ايلي سعاده والمختار حنا ناصيف وحشد من اهالي البلدة والجوار.
كما كان في استقباله قائمقام البترون روجيه طوبيا، منسق عام "تيار المستقبل" في جبيل والبترون جورج بكاسيني ، رئيس رابطة مخاتير منطقة البترون حنا بركات ، رئيس رابطة كاريتاس - اقليم البترون سعيد باز، رؤساء أديار راهبات وكهنة ومخاتير وفاعليات.
ودخل الراعي الى الكنيسة وسط أغصان النخل وصلى، ثم ألقى الخوري سعاده كلمة ترحيبية بإسمه وبإسم مختار البلدة، ولجنة الوقف وأبناء الرعية جميعا. وقال: "بين مسقط رأسكم حملايا، وموطىء قدمكم سمار جبيل، قصة عيون. فمن الأولى أتتنا رفقا، فاقدة بصرها، لتصير من البترون، رسولة المسيح بالألم والرجاء. ومن دمنهور في مصر، أتانا نوهرا، فأفقدوه عينيه، ليصير في سمار جبيل شفيع البصر والبصيرة. وكأنه قد كتب، لنا نحن أبناء منطقة البترون، أن نعيد الرجاء لفاقديه في رفقا، والبصر لخاسريه في نوهرا، والبساطة للمتكبرين في الأخ إسطفان، والعلم والطاعة في الأب الحرديني".
ثم قدم عصام باسيل للراعي النسخة الأولى من كتيب أعدّته الرعية، نشرت فيه وثائق تؤكد أن سمار جبيل هي مكان إستشهاد مار نوهرا، بالاضافة الى زجلية كتبها المطران جبرائيل إبن القلاعي إبن لحفد، في القرن الخامس عشر، يمدح فيها مار نوهرا، وقد كتبها إثر نيله الشفاء من مرض عضال بشفاعة مار نوهرا.
ثم بارك الراعي مياها من بئر مار نوهرا في جرة فخار، قدم له بعدها المختار حنا ناصيف باسم الرعية هدية رمزية، وهي مجسم محفور من الصخر لمدخل باب الكنيسة. وباسم قطاع التلاقي والحوار قدم امين عام المجلس الرعوي عاصي ابي نادر درعا تذكارية تحمل شعار القطاع.
الراعي
ورد الراعي بكلمة قال فيها: "هذه الزيارة تندرج في إطار المجمع الأبرشي الذي عمره سنتين لنقول مع سيدنا منير ومع كل أبرشية البترون أننا بالمسيرة معاً تحت الشعار والموضوع الأساسي على خطى القديس يوحنا مارون نتجدد ونتقدس بالمسيح. هذه المسيرة نعيشها سويا وان تكون أبرشية البترون تعيش هذا المجمع الأبرشي التطبيقي للمجمع البطريركي الماروني الذي ختم سنة 2006 وسيدنا منير كان عنصر أساسي فيه ولم يزل في لجنة المتابعة والتطبيق كان من السباقين حتى كانت أبرشية المبترون المجمع التطبيقي. نريد القول لكم أنه لو لم يكن هذا المجمع في الأبرشية هو مجمع كل الكنيسة المارونية وبخاصة البطريركية، لذلك أقول بأن زيارتنا اليوم للرعايا التي سنزورها هي إنضمامنا لهذه المسيرة الروحية".
أضاف: "أريد أن أحيي اللجان ال17 التي توزع العمل التحضيري والتطبيقي الذي يساعد من خلال كل القطاعات كيفية السير معا ومعالجة هذا الموضوع الروحي نتجدّد ونتقدس، وبنفس الوقت يحمل إطاره وبعده الإجتماعي والمعنوي لأننا نعيش دائماً بُعدين، لأنه عندما دخلنا الى الكنيسة والذكر الطيب هو الدخول الى عالم الله، وحينما ندخل الى عالم الله طبيعي أن ندخل الى عالم البشر". من أجل ذلك اللجان ال17 تحمل بُعداً إجتماعياً بُعداً تضامنياً بُعداً كنسياً. كيف نبني سوياً ونكون جماعة سوياً ويأتي المجمع الأبرشي كما أتى المجمع البطريركي في حينه، في وقت لبنان يعيش في ظرف دقيقة للغاية، ظرف تفتّت، ظرف تفكك. تعلمون الواقع الذي نعيشه وصولاً الى القمة الذي هو الرأس الذي هو الضامن وحدة الجسم. أصبح لنا سنة على فراغ السدة الرئاسية بمعنى جسم من دون رأس ، والجسم من دون رأس يعني الموت . وعبثا نتحدث بلغة أخرى وحتى في المنزل أو في الكنيسة أو في الحزب، لا نستطيع أن نكون من دون رأس ، إن الفرسان والأخوية والكاريتاس، النمل، النحل والنبات كله له رأس، ونحن لا يمكن أن نقبل بأن يتفكك وطننا نتيجة عدم وجود رأس له. لأنه بقبول عدم وجود رأس بالجسم نقبل تفككه".
وتابع: "إننا وإياكم وككنيسة، علينا أن نلعب الدور الكبير في المطالبة بألا يستمر غياب الرأس في كل يوم من أيامنا، وحتى في يوم الأحد على الكنيسة أن تلعب هذا الدور الجامع. علينا أن نحافظ على وحدتنا وتضامننا وعلى الجسم الذي يجمعنا نحن كنسياً بالمعمودية والميرون وجسد المسيح رأس يسوع، وكلنا أعضاؤه نسير معاً حتى نبني نعاً هذا الجسم، هذه الكنيسة المحلية كنيسة المسيح الجامعة الموجودة في أبرشية البترون تقوم بهذا الدور، وهكذا يجب أن يكون الأمر في كل الأبرشيات والكنائس المحلية تعيش الجمال ووحدة يسوع، وهكذا في كل منطقة تعيش الإيمان والوحدة، وبخاصة نحن هنا في البترون نحمل على أكتافنا تراثاً مارونياً كبيراً مع يوحنا مارون الذي مر من هنا كثيرا على أرضكم".
اضاف: "التاريخ الطويل الذي عاشت فيه هذه المسيرة وهذه الكنيسة الدهرية، هي علامة على أننا لنا جذور هنا وجذور لا تقتلع بسهولة. المجمع الأبرشي يدعونا للتجدد ويدعونا للعودة الى الجذور لكي نعيد تسليط نور الجذور على واقعنا الذي قد نجد فيه ثغرات، وقد نجد سلبيات علينا أن نزيلها، وهذا هو التجدد وننطلق من جديد بقوة الروح. يوحنا مارون هو شفيعنا والقديسون الذين مروا من هنا من هذه البيئة نحس بهم ونحس بأن الهواء تغير عندما نمر من هنا، لأن هناك أريجاً للقديسين نعمة الله والأخ إسطفان والقديسة رفقا وشربل الذي مر من هنا الى جانب كل الآباء والراهبات والمؤمنين الذين عاشوا حياتهم المسيحية وحافظوا على تراثهم. هذه منطقة تختلف عن كل لبنان، هواؤها مختلف، نتنشق منها روح القداسة وروح الماضي والتراث. لذلك نحن لا نخاف أمام الواقع على المستوى السياسي والإقتصادي وعلى المتسوى الذي نعيشه في الشرق الأوسط، ونطلب من الرب أن تقف كل الحروب في سوريا، في العراق، في اليمن والبحرين".
وتابع: "كل المجتمع مهدد، لأنه يعيش بعيداً عن الله، ومجتمع يعيش مع غير الله هو مجتمع بابلي مجتمع للفوضى. ونحن نعتبر أن هناك غاية من المجمع الأبرشي وهذه الزيارة التي نستهلها من سمار جبيل لها أبعادها ومفاهيمها، أوجه لكم كل محبتي وصلاتي والتأكيد على هذه الشركة والمحبة، معاً نسير؛ معاً على خطى أبينا القديس يوحنا مارون نتجدد ونتقدس بالمسيح".
مراح شديد
ومن سمار جبيل توجه الراعي والوفد المرافق الى بلدة مراح شديد حيث وضع الحجر الاساس لمشروع "مؤسسة مار اسطفان الاجتماعية" على عقار وهبه ابن البلدة المغترب الراحل جون ستيفنس للأبرشية، وكان في استقباله رئيس اتحاد بلديات منطقة البترون طنوس الفغالي، أعضاء الجمعية الخيرية للتنشئة ممولة المشروع، وعدد من الفاعليات وأعضاء لجان المجمع الابرشي، بالاضافة الى خادم الرعية الاب طوني الدرجاني والمختار نصري ديب والاهالي في حضور المطارنة خيرالله وسعاده وعلوان ولفيف من رؤساء الاديار والكهنة والرهبان والراهبات.
مطر
وأقيم الاحتفال في باحة المشروع، وقدم له عضو الامانة العامة للمجمع الابرشي الأستاذ سهيل مطر الذي دعا للوقوف دقيقة حب وتصفيق للشهيد سمعان. وقال: "بالدمع والورد، ودعنا البارحة، رجلاً بطلاً من هذه البلدة هو الشهيد ادمون سمعان. ومعاً اليوم نستبدل عاماً من الفراغ الرئاسي بساعة لقاء مع غبطتكم. وعوض الوقوف على رصيف الانتظار ترقباً للانماء المتوازن وللرعاية الاجتماعية، جئنا بعزيمة الأوادم والأبرار لنشهد معاً برعايتكم الكريمة على ولادة مؤسسة اجتماعية انسانية توضع في خدمة الكبير والصغير وتطل من نوافذها انتسامات النور والرضا".
رزق
ثم كانت كلمة لقريبة الراحل ستيفنس ووكيلته الدكتورة أورسولا رزق قالت فيها: "ليبارك مشروعا بدأ بوضع مداميكه المطران منير خيرالله والمطران إميل سعادة . إنه المشروع الحلم، حلم جون ستيفنس الأميركي ذو الجذور اللبنانية. أحب وطنه الأم وقريته حتى الثمالة رغم أنه لم يولد فيه، فكانت له اليد الكريمة متى إستطاع في دعم الشباب اللبناني والمشاريع الآيلة الى نهضته. عرفتً جون سنة 1976 خلال زيارتي الأولى الى الولايات المتحدة إذ كان صديقاً بل أخاً لزوج خالتي الفنان خير الله خير الله. اعتبر جون خير الله وكيله الأمين فسلمه عندما قرر العودة نهائياً الى لبنان أمانة غالية وهي ما ورث هو وإخوته من ممتلكات عن والديهم ومن ثم إنتقلت الأمانة لي لأشرف على إنشاء مشروع لخدمة قريته والمنطقة. كنت على إتصال دائم بجون وزوجته آنّ كما تمنينا أن يتحقق المشروع بوجودهما فكان دوماً هاجسه حتى وافتهما المنيّة".
أضافت: "نم قرير العين يا جون وأنتِ يا آن. فالحلم تحقق. تأكدا أن الأمانة إنتقلت الى يد أمينة مباركة، يد سيادة المطران خيرالله الذي أكد ويؤكد أن المشروع لن يكون إلا لخدمة مراح شديد والقرى المجاورة. أما أنتم يا أبناء مراح شديد الحزينة على فقدان إبنها البار الرقيب أول إدمون سمعان فهنيئا لكم وليبقى ذكر جون وآن دوماً بينكم".
خيرالله
ثم ألقى خيرالله كلمة قال فيها: "بالرغم من المفاجأة الصاعقة باستشهاد ولدنا المعاون في قوى الأمن الداخلي ادمون سمعان، وبالرغم من سيف الحزن الذي جاز في قلب الأهل والأصدقاء، أبت مراح شديد إلا أن تحافظ على موعدها مع غبطتكم وعلى استقبالكم بمحبة وتقدير، لأن أهلها هم أبناء إيمان بالله ورجاء بالقيامة مع الرب يسوع المسيح، ويفتخرون بأنهم قدموا شهيدا للوطن، يشفع من السماء مع الذين سبقوه، بلبنان وأبنائه".
أضاف: "شكرا لكم جميعا على حضوركم. في 2 آذار 2013، ولمناسبة عيد مار يوحنا مارون، البطريرك الأول وشفيع الأبرشية، أطلقنا الدعوة إلى انعقاد المجمع الأبرشي الذي يهدف إلى التجدد الروحي والشخصي والمؤسساتي تطبيقا للمجمع البطريركي الماروني، إذ اتخذنا له شعارا: " على خطى مار يوحنا مارون، نتجدد ونتقدس بالمسيح". يومها زرتمونا، يا صاحب الغبطة، لتباركوا مسعانا، وقلتم لنا: " نهنئكم على هذه المبادرة، وكأن هذا الدير- هذا الكرسي الأسقفي- قد تهيأ لاستقبال هذا المجمع الأبرشي الذي نسميه ربيع الأبرشية". وفيما نحن في السنة الثانية من مسيرة مجمعنا الأبرشي - سنة المبادرات-، وبينما تعمل اللجان السبع عشرة على القيام بمبادرات عملية تجعلنا نسير معا في تلبية دعوتنا إلى القداسة والتجدد الروحي وتحدونا على التضامن للحد من تداعيات الصعوبات التي تعترضنا، ها إنكم تشرفوننا اليوم يا صاحب الغبطة والنيافة لتباركوا إحدى هذه المبادرات، أي إطلاق بدء العمل في مؤسسة مار اسطفان الإجتماعية في بلدة مراح شديد، تطل منها كنيستنا البترونية في وجهها الإجتماعي. ستقوم هذه المؤسسة على أرض وبناء قدمهما السيد جون ستيفنس الأميركي ابن مراح شديد عرفانا بالجميل لوالديْه وإسهاما منه في خدمة بلدته ومنطقته. هذا الرجل الفاضل المعطاء كان قد شيد مدرسة في أوائل سبعينيات القرن الماضي. وبعد خمس وثلاثين سنة، وهبها لأبرشية البترون لتتابع رسالته في خدمة أولاد وأهالي بلدته ومنطقته. فرأينا أن ننشىء، على البناء الموجود، مؤسسة إجتماعية على إسم مار اسطفان، شفيع عائلة جون ستيفنس، تكون مفتوحة على بناء مدرسة ومركز إجتماعي متعدد الخدمات، وتستقبل أولادا من أبرشيتنا تحتاج عائلاتهم إلى مساعدة ودعم لتعليمهم وتنشئتهم."
وتابع: "الكنيسة تعنى بالخدمة الإجتماعية وتعمل في خدمة المحبة، تلبية لدعوة الرب يسوع الذي يقول لنا: " كل ما صنعتموه لأحد إخوتي هؤلاء الصغار، فلي أنا قد صنعتموه" (متى 25/40). وكنيستنا، في مسيرتها المجمعية، تسعى إلى تجسيد هذه المحبة بين أبناء وبنات من ترعاهم باسم المسيح، " لأن رسالتها تكمن في أنسنة هذا الكون بشرا وطبيعة ومقدرات وفي الدعوة إلى العمل في سبيل بناء حضارة المحبة" (المجمع البطريركي الماروني، النص 20، عدد 2). وأعتبر اليوم وأؤمن بأن العناية الإلهية وضعت في طريقي هذه المؤسسة لأحنو، من خلالها، على الأطفال والأولاد المحتاجين بلمسة محبة وعطف وسهر وعناية؛ وذلك ربما لأنني المتمرس في مثل هكذا مواقف وحالات، أنا الذي تيتمت كما تعلمون بعمر خمس سنوات بعد استشهاد والدي".
أضاف: "لما كان البناء القديم يحتاج إلى ترميم وإلى إضافة طوابق ليليق بالذين ستستقبلهم المؤسسة، كان لا بد من تمويل، فوجه الله بعنايته الأستاذ عصام يونس، عضو مجلس الشورى في الأبرشية، إلى أن يتبنى المشروع. وراح يشجع أصدقاء له على المشاركة. فعمل على تأسيس "الجمعية الخيرية للتنشئة" لدعم المؤسسة بالتعاون مع السيد زياد فاضل وزوجته والمهندس حليم الزعني وزوجته الذين حضروا خصيصا من الولايات المتحدة الأميركية ليشاركونا هذا الإحتفال. فلهم منا الشكر والتقدير".
وختم بتوجيه الشكر "لصاحب الغبطة والنيافة، على تشجيعكم لنا وعلى مباركة مسيرتنا المجمعية ومرافقتها. ونعدكم بأن نبقى أوفياء لدعوة كنيستنا البترونية ورسالتها على خطى بطاركتنا وقديسينا، وأن نحافظ على أرضنا المقدسة وعلى لبنان الوطن الرسالة الذي أراده البطريرك الياس الحويك، كما تريدونه أنتم، وطنا لجميع اللبنانيين في الحرية والمساواة والوحدة في احترام تعددية الطوائف والأديان والحضارات. مجددا نرحب بكم، يا صاحب الغبطة والنيافة، وندعو لكم بالتوفيق في قيادة الكنيسة والوطن نحو بر الأمان والسلام العادل والدائم والإستقلال الناجز".
الراعي
أما الراعي فقال: "عندما دخلنا بلدة مراح شديد كلنا دخلنا وأنا شخصيا دخلت بكثير من التأثر والأسى والحزن الممزوج بفرح اللقاء معكم. وهذا الحدث المؤلم الذي أصاب البلدة وكل المنطقة بإستشهاد المعاون إدمون سمعان إبن مراح شديد. صعقنا جميعاً وأمام الصعقة الى جانب صلاتنا لا نستطيع إلا قراءة علامات الأزمنة وهي كثيرة أمام واقعات الحياة. هكذا دخلنا الى مراح شديد. وأنا أحيّي كل أبنائها، كل الذين استطاعوا أن يكونوا معنا اليوم بالرغم من كل حزنهم ومن ضرورة وجودهم مع الأهل بهذه التعازي؛ ونحن سنمر وننضم إليهم جميعا. لكن في البداية أريد أن أبدأ بالفرح الآتي من الرب وهو فرح اللقاء وأحيّي أخي المطران منير خير الله راعي الأبرشية وأخي المطران بولس إميل سعادة وكاهن الرعية أنطوان المرسل اللبناني وكل الكهنة الموجودين معنا والراهبات والسلطات الموجودة القائمقام ورئيس إتحاد البلديات ورؤساء البلديات والمخاتير ومختار هذه البلدة وكل الوجوه الكريمة؛ وتحية خاصة للمحسنين الأحباء الذين ذكرهم المطران منير. ولكن جميعنا نذهب بالروح والصلاة الى السماء مكان الذي يوجد فيه المرحوم جون ستيفنس وزوجته الذين هم من السماء يفرحون فرحاً كبيراً جداً بهذا اللقاء اليوم الذي يجمعنا بالمؤسسة التي أرادوها بكل فكرهم وقلبهم".
أضاف: "أريد القول لسيدنا منير وهو يعلم وبعد مسيرة طويلة على أيام سيدنا المطران بولس إميل ودائما كان يحدثنا عنها المطران بولس عن المدرسة والمؤسسة وكيف إستطاعوا ان يتوصلوا وأصبحت للأبرشية. وأريد القول لسيدنا منير، وهو يعرف بأنه لا يوجد صدفة في الحياة، نعم أنت تعيشها كما قلت بكل قلبك لأن المثل يقول "الأصابع والأيادي التي دخلتها المسامير وحدها تستطيع أن تدق بالجراح". لذلك المطران منير إختبر هذا اليتم المزدوج ولذلك يعرف ما معنى المؤسسة التي أرادها أن تكون مؤسسة إجتماعية كما قال، مؤسسة مار إسطفان الإجتماعية المفتوحة لخدمة المحبة لكل إنسان يشعر بألم ما أياً كان هذا الألم أطفالنا وأجيالنا الجديدة وما أكثرهم اليوم بمفاجآت الحياة الكبرى. لكن أنا أريد أن أعمل قراءة إضافية وأقول أيضا ليس صدفة سيدنا في الوقت الذي أنتم تعيشون فيه المجمع الأبرشي وأنتم حامل همّ هذا المجمع أن لا يبقى على المستوى الفكري فقط لأنه على المستوى الفكري نجد بكتاب المجمع كل شيء لا يوجد موضوع إلا وعالجه المجمع البطريركي الماروني؛ لكن أنت أردت أن يكون هذا المجمع الأبرشي الذي أصبح عمره سنتين أردت أن تترجمه على الأرض بشكل يستطيع الناس أن يعيشوا جمال التعليم بالأعمال والنشاطات. العناية دبرت أن هذه المؤسسة تفتتح أمامك كتطبيق عملي لتعليم المجمع وخاصة فيما يختص بالخدمة الإجتماعية وأصبحتم تعملون من نصوص المجمع البطريركي الكنيسة المارونية والشأن الإجتماعي".
وتابع: "هذا شيء في حياتنا اليوم. الكنيسة تستطيع عيش رسالتها كما كانت الجماعة الأولى كما المطلع تذكرون المطلع في القرية ثلاث أرجل كانت جماعة المؤمنين مواظبين على تعليم الكلمة وكسر الخبز والصلاة والقداس وعلى المشاركة فيما يملكون، المحبة الإجتماعية. كلام الإنجيل يحملني الى الرب ووجودي مع الرب يحملني الى إخوتي البشر. الكنيسة إذا بقيت فقط على مستوى التعليم والليتورجيا ينقص رِجْل لهذا المطلع، لا يقف المطلع. لذلك بحاجة لتقوم بالخدمة الإجتماعية. هكذا تدخل المؤسسة. هي صغيرة الآن ولكنها ستكبر كما كل شيء. أصغر حبة نزرعها كما قال الإنجيل تصبح أكبر شجرة. نحن كيف كنا وكل واحد منا كيف كان بالكاد على المايكروسكوب كانوا يستطيعون رؤيتنا أن هذه النقطة التي تكونت في أحشاء الأم إنظروا كيف تصبح مثل الذرة حاملة معها كل برنامج حياتنا . وهكذا مؤسساتنا التي تقوم صغيرة وتنطلق كبيرة، لا نعرف ماذا تصبح هذه المؤسسة ولكننا نعرف بنية الواهبين الواقفين وبنية وكيلتهم وبنية مطران الأبرشية وبنية الرعية والمحسنين، ربنا يعطينا مفاجآت دائما لا نعرف ما هي. وربطا لهذا الحدث أريد القول من القراءات لا نستطيع أن نقف أمام أحداثنا إذا كانت مفرحة بنشوة الفرح أم إذا كانت محزنة بدموع الحزن؛ يجب أن نعرف ونقرأ علامات الأزمنة".
وقال: "ليس صدفة أن إستشهاد المعاون إدمون سمعان من مراح شديد متزامن مع إطلاقة هذه المؤسسة الإجتماعية. هذه حبة القمح إذا ماتت بالأرض تعطي سنبلة هذا واحد ، هذا مظهر صغير ولكن الأكبر أن هذا الشهيد وكل شهدائنا الذين وقعوا إن كانوا من الأمن الداخلي أو من الجيش أو من كل القوى العسكرية أو كانت من المواطنين هم جميعا البذور التي تنطلق من المجتمع. ونحن منذ سنة 1975 نزرع شهداء على أرض لبنان لدرجة أن أرض لبنان إمتزجت بالدم ولكن في نفس الوقت كان يأتينا قديسون من السماء مع كل الحرب. إذا كنتم تذكرون مع كل مسيرة الحرب على هذه الأرض حديد ونار وقتل ودمار كان يطل علينا منذ ال75 تذكروهم الى اليوم مار شربل، مار نعمة الله، القديسة رفقا، الأخ إسطفان، أبونا يعقوب، والآن طل البطريرك الحويك الى جانب بشارة أبو مراد الى جانب الدويهي. السماء تكلمنا وتقول لنا: خلاصنا لا يأتي من الأرض، خلاصنا يأتي من فوق. نحن نقول بحاجة أن نعيش إيماننا العميق بالله حتى إذا عشنا إيماننا العميق بالله ننفتح بعضنا لبعض من المؤسف أن يكونوا خذلونا. المجتمع السياسي خذلنا نحن اللبنانيين؛ لم يكن المستوى السياسي على مستوى الدم والدماء البريئة التي ذرفت على أرض الوطن، ومن الممكن أن لا يكونوا هم من الممكن نحن أيضا هذه الدماء التي دفعت عنا نحن لم نعش الذي كان يجب أن نعيشه لقاء هذا الثمن الغالي من شهدائنا الذين وقعوا. ولا أريد أن أنسى أباك وأمك من بين الشهداء، ولكن أريد القول أيضا كمواطنين هذه الدماء البريئة التي سقطت لا نستطيع وكأنها ليست موجودة، كنا دائما نقول ماتوا لنحيا، ولكن ليس لنحيا بأي طريقة، لنحيا حياة روحية عميقة، حياة وطنية، حياة فيها إخلاص، حياة فيها قيم. لكن نشكر الله أن مجتمعنا متماسك متوحد متألم متوجع محافظ على تراثه وقيمه مجمتع آدمي ساكت بالع الموس لا يتكلم. ولكن أريد القول من هنا من مراح شديد للمجتمع السياسي: لا يستطيعوا ان يخذلونا بهذا الشكل؛ لا يستطيعوا أن يخذلوا وطناً، لا يستطيعوا أن يخذلوا شعباً، لا يستطيعوا أن يخذلوا تاريخاً، لا يستطيعوا أن يستمروا مهما كانت الأسباب في قطع وبتر رأس الجسم اللبناني الذي هو رئيس الجمهورية".
أضاف: "نحن الدم البريء الطري الذي من أرض مراح شديد بدم المرحوم إدمون سمعان هذا الدم الطري صلاة الى جانب كل دماء شهدائنا، كي يمسّ ربنا ضمائر كل الكتل السياسية والكتل النيابية وتتحمل مسؤوليتها الخطيرة والتاريخية بالتقارب من بعضهم والتنازل عن عروشهم، من خروجهم من قصورهم والجلوس بتواضع على طاولة الحوار ويبحثوا بجدية وبتجرد كامل وبروح المسؤولية عن المخرج لإنتخاب رئيس للجمهورية. عيب علينا وحيف على وطننا وعلى المسؤولين السياسيين أن نبدأ سنة جديدة من الفراغ الرئاسي".
وتابع: "نحن نحمل بصلاتنا وآلامنا كل آلام الشعوب المتألمة في سوريا والعراق واليمن وكل هذا الشرق. نحمل بصلاتنا كل الأرض التي عليها بدأت مسيرة المسيحية. هذه الأرض كل أرض الشرق الأوسط إختارها الله وتجلى عليها بكل سره من إبراهيم لموسى للمسيح؛ كله هنا في هذه البيئة المشرقية تجلى كل سر الله وكتب كل تاريخ الخلاص. لا نستطيع أن نقبل كمسيحيين ولا نستطيع أن نساهم وكأننا نحارب تصميم الله الإلهي. هذه الأرض ليست للحديد والنار، هذه الأرض للقديسين. هذا النداء الذي أتى بقديسينا وما يزال سار ونحن يجب أن نناضل للمحافظة على هذه الأرض التي كما ذكّرنا سيدنا منير هذه أرضنا هذا تاريخنا. على هذه الأرض كتب كل تاريخنا المسيحي والماروني بشكل خاص حتى نحمل بصمودنا كل هذا الشرق ونحافظ على قداسته ونحمل مسؤوليتنا تجاه كل المسيحيين ببلاد الشرق الأوسط. جميعكم تعلمون أن الجميع ينظر الى لبنان، كل مسيحيي الشرق الأوسط ينظرون الى لبنان، إلى مسيحيي لبنان لأنهم يشكلون لهم الأمل الوحيد، لأنهم إستطاعوا في لبنان أن يعيشوا بالتساوي والوفاق مع صعوبات الحياة اليومية ولكن إستطاعوا أن يعيشوا بالتساوي مسلمين ومسيحيين، إستطاعوا ان يبنوا وطناً نظامه ليس دينياً؛ إستطاعوا أن يبنوا وطنا منفتحا على الديمقراطيات على حقوق الإنسان على الحريات على كرامة الشخص البشري. ينظرون إلينا بأننا الأمل الوحيد لديهم؛ لا نستطيع اللعب بهذا الأمل. نحمل بصلاتنا في هذه الزيارة الرعوية وكل يوم نقدمه مع دماء المرحوم الشهيد إدمون سمعان على يد قديسينا الذين عاشوا في هذه المنطقة من أجل السلام والإستقرار في لبنان وسوريا والعراق واليمن وفي كل الشرق الأوسط لكي تبقى هذه الأرض التي إختارها الله وتجلى عليها أن تعكس وجهه وجه إنجيل يسوع المسيح".
وختم الراعي: "فليحيا شهداؤنا في المجد السماوي بإكليل المجد في السماء، فلتعش هذه المؤسسة حسب نوايا المؤسس وعشتم وعاش لبنان".
بعد صلاة التبريك وضع الراعي الحجر الأساس لمشروع مؤسسة مار اسطفان الاجتماعية ووقع على لوحات لأهالي مراح شديد ثم أقيم كوكتيل بالمناسبة.
تعازي
ثم توجه الراعي برفقة المطران خيرالله الى صالة الرعية حيث قدم التعازي لعائلة الشهيد المعاون إدمون رياض سمعان في حضور النائب سامر سعاده.
إده
ثم انتقل البطريرك الى رعية إده البترونية حيث أقيم له استقبال حاشد عند مدخل البلدة وسط اغصان النخل والزيتون وعلى وقع الطبول والزغاريد وقرع الاجراس. وتوجه الى كنيسة مار سابا واطلع على جدرانياتها التي تعود الى القرنين الثاني عشر والثالث عشر في حضور طوبيا، ورئيس البلدية المحامي نسيب شديد وحنا بركات ومختار البلدة غابي حنا، بالاضافة الى خادم الرعية الخوري ايلي سعاده الذي رحب بالبطريرك الراعي قائلا: "تفتح إده أبوابها وقلوبها، لإستقبال راعي الحوار والشراكة والمحبة، ومع سيادة أبينا المطران منير خير الله نفرح بمواكبتكم مسيرة المجمع، الذي دعانا إليه، كي ننفض عنا غبار زمن النزاعات، ونبرز ما عندنا من كنوز الحضارة والعراقة والقيم والأصالة، وكي نتجدد معاً ونسعى الى مأسسة رعيتنا، وإبراز تميزها بروحانيتها وليتورجيتها ونشاطاتها. سيدنا البطريرك، إده قرية الأشداء، على كتفها بنى أجدادنا بيوتهم، وكنائسهم، وقدموا للوطن سياسيين مخضرمين، وأساقفة".
وتسلم الراعي هدية رمزية هي نسخة عن إحدى الجدرانيات المحفوظة، وهي من عمل الفنان إبن البلدة بول مرعي، والذي ساهم بترميم الجدرانيات مع فريق العمل الروسي. ثم قدم شديد مفتاح البلدة الى البطريرك كما قدم الحرفي حنا الياس صليباً محفوراً لغبطته.
الراعي
وتحدث الراعي فقال: "أنا سعيد جداً مع سيدنا المطران حنا علوان النائب البطريركي والوفد الآتي معنا من بكركي. نحن سعداء جداً أن نحييكم سيدنا المطران منير راعي الأبرشية ونحيي كاهن الرعية أبونا إيلي وأحيي كل أبناء رعية إده العزيزة خوري الرعية أبونا إيلي والكهنة الحاضرين معنا وأحيي إبن إده وهو قائمقام البترون والذي نعتز به ورئيس البلدية والمجلس ومختار البلدة ومجلسه وكل الوجوه الكريمة الموجودين معنا. عندما دخلت الى كنيسة إده ورأيت هذا المنظر وأريد أن تعذروني لأن هذه المرة الأولى التي أدخل إليها لم أزرها من قبل أقول لكم لا تخافوا هنا يوجد رهبة، رهبة تاريخ، تراث جذور. مما تخافون، هذا الهواء يأتي ويذهب ويعصف. لقد عصفت رياح معاكسة وعدنا بالتاريخ الذي أريد أن أشكر أبونا إيلي على هذه الصفحة التاريخية التي تفضل بها كما وانه سلّمنا صفحة مكتوبة. هذه الكنيسة بنيت في سنة 1200 ونيف وهي أدق وأصعب فترة عشناها فترة المماليك التي يسمونها فترة الظلمة بحياتنا المارونية. وأتى بعدها فترة العثمانيين والتي إستشهد فيها البطريركان البطريرك حجولا الذي حرق حياً في ساحة طرابلس والبطريرك البنهراني".
أضاف: "في هذه الفترة الصعبة هنا في إده كانت تبنى هذه الكنيسة. مهما إشتدت العواصف والمصاعب هذا البلد صامد ولكن بقوة إيمانه. أبونا إيلي تفضل وقال تريد التعرف على الرعية خذهم الى الكنيسة، في كنيستهم تعرف من هم، تعرف أي شعب وتعرف من أي صخر هدوا بقوة هذا الإيمان بالنار ومحبتهم للكنيسة وإلتفافهم حول البطريركية والبطريرك. صمد شعبنا بأدق المصاعب. واليوم إذا فعلا لم يعد جميع اللبنانيين، شعباً ومسؤولين، لم يعودوا فعلا الى الله الى الكنيسة الى المسيح الى البطريركية التي قادت مسيرة الشعب وحافظت ساعة في كعب الوادي مكان لا أحد يستطيع أن يصل إليها مثل قنوبين، ساعة على رأس الجبل مثل بياقوت، ساعة هنا وساعة هناك حاملين الوديعتين وديعة الإيمان الكاثوليكي وإستقلالهم وسيادة هذا الشعب. هذه كانت المسيرة الطويلة التي قادوها البطاركة حتى وصلوا مع البطريرك الكبير إبن هذه المنطقة الياس الحويك الى لبنان الكبير. لم يسقط هكذا لم يسقط مثل الندي. هذه مسيرة طويلة عاشها شعب بقيادة بطاركتهم. هذا باب الخلاص الذي نحن نستطيع الدخول منه. هذه الكنيسة. وعندما أقول بطريركية أقول كنيسة أقول شعباً مؤمناً أقول ناسا حافظوا على هاتين الوديعيتين الكرامة والإستقلالية بهذا الجبل والإيمان المسيحي".
وتابع: "صحيح أنها المرة الأولى التي آتي فيها الى إده ولكن أحببنا منذ زمن لأنه خرج منها أشخاص أحببناهم وعرفناهم، وتحديداً المطران الياس شديد من خلال ابن شقيقه إسكندر شديد، هذا المطران الذي هو من إده أصبحنا نحلم أن نراها وأحببناها من بعيد. شكراً لك سيدنا أتيت بنا الى إده بعد زمن طال. كما وانه أحببنا إده من خلال إبنها الآخر المطران جون شديد الذي تعرفنا إليه معرفة شخصية والذي كنا نزوره في منزله في إده وهذه ليست المرة الأولى التي نأتي بها الى إده ولكن المرة الأولى التي نأتي الى كنيسة إده. من خلال هاتين الطينتين على مستوى الأحبار، من خلال الرهبان، أريد أن أحيي أبونا توما مهنا أريد أن أحيي شقيقه، من خلال كل هذه الوجوه الكريمة المدنية والسياسية والكنسية والكهنوتية والرهبانية. منذ زمن تشوقنا لزيارة إده. واليوم أنا في قمة الفرح بأن ألتقي بكم. ونحن في مسيرتنا المجمعية، العنصرة الجديدة. ليست صدفة أن نكون هنا في ليلة العنصرة، المجمع الأبرشي عنصرة بأبرشية البترون كما المجمع البطريركي الماروني عنصرة بكنيستنا".
واردف: "نعم العنصرة هي عمل الروح ونحن بحاجة لأن نفتح لعمل الروح حتى ننطلق. إذا لم ننفتح لعمل الروح يبقى الروح خارجا. نريد أن نصلي معكم لكي يدخل هذا الروح في قلوبنا ونفوسنا وعقولنا وكنيستنا وأبرشيتنا وبمسيرة هذا المجمع الأبرشي كما تعلمون وأن هذا القول يجب أن يكون محفورا فينا بالأعمال على خطى أبينا القديس مارون وعلى خطاه نتجدد ونتقدس بالمسيح. هذه مسيرتنا إذا فعلاً عشناها نبني وطناً جديداً ولبنان يعود ويأخذ دوره ويعطي أملاً ورجاء لمسيحيي الشرق الأوسط ويعود للبنان والعالم العربي خير. ولأن البلاد العربية تقول أن لبنان الهواء الذي فيه ليس كباقي الدول نحن نحب لبنان. هم هكذا يقولون لبنان. مدرستنا وجامعتنا ومستشفانا وحريتنا وصيفيتنا، لبنان الرئة التي نتفنس منها هذا ما يقوله الرؤساء العرب، ملوك ورؤساء جمهوريات. نحن يجب ان نكون على مستوى هذه المسؤولية التاريخية".
واضاف: "من هذه الكنيسة التاريخية القديمة أريد توجيه نداء معكم الى كل اللبنانيين وبخاصة الكتل السياسية والنيابية أن يسيروا بخط هذه المسيرة العميقة لا أن نسير بخط السطحية، ليس بسطحية المصالح الشخصية ولا بسطحية المصالح المذهبية ولا بسطحية التي على سطحية الأرض. نريد القول في ندائنا أن تعود الكتل السياسية والنيابية في هذا الظرف العصيب التاريخي الذي نعيشه والرياح التي تعصف في الشرق الأوسط وصلت إلينا وسلبت كرسي رئاسة الجمهورية، أن يعود المسؤولون اليوم ويعيشوا مسؤوليتهم التاريخية والضميرية، أن يعودوا الى الماضي الذي بناه أجدادنا في وجه كل العواصف ولكن حافظوا على وطن جميعنا نفاخر به".
وختم: "هذه صلاتنا بشفاعة مار سابا وسيدة لبنان سلطانة السلام، إلتماس أنوار الروح القدس يدخل في عقولنا بمواهبه التي تقوي العقل والإيمان الحكمة والمعرفة والفهم، يدخل إلى قراراتنا ويثبتنا بالرجاء عبر موهبة المشورة والقوة ويدخل في قلوبنا ويقوي فيها الحب لبعضنا البعض الحب لله الحب للوطن بأرضه وشعبه وكيانه بموهبة مخافة الله وتقوى الله. صلاتنا قرب المواهب السبعة من الروح القدس بليلة عيد العنصرة تدخل بقلبنا بمسيرة المجمع الأبرشي الى ما فيه خير الكنيسة وخير الوطن".
كفرحي
وتابع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، جولته الراعوية في البترون، برفقة المطران خيرالله ووصل بعد الظهر إلى المقر الأول للبطريركية المارونية في دير مار يوحنا مارون في كفرحي، حيث كان في استقباله وزير الاتصالات النائب بطرس حرب، النائبان أنطوان زهرا وسامر سعاده، المطرانان بولس اميل سعادة ويوسف ضرغام، قائمقام البترون روجيه طوبيا، رئيس اتحاد بلديات منطقة البترون طنوس الفغالي، فاعليات سياسية واجتماعية، النائب العام للأبرشية المونسنيور بطرس خليل والقيم الأبرشي الخوري بيار صعب ولفيف من الكهنة ورؤساء الأديرة والراهبات وفاعليات سياسية.
وفور وصوله، دخل إلى كنيسة الدير وصلى أمام هامة القديس مارون، ثم انتقل الى صالون الدير حيث رحب به راعي أبرشية البترون المارونية المطران منير خيرالله، وتوجه إليه بالقول: " تأتون اليوم إلى بيتكم، إلى المقرّ البطريركي الأول، في يوم تاريخي: في ليلة عيد العنصرة، عيد حلول الروح وانطلاقة الكنيسة في رسالتها في العالم، رسالة المحبة والسلام، وفي ليلة انقضاء السنة الأولى على الفراغ الرئاسي.
تزورون هذا الدير الذي قلتم فيه يوم احتفلتم بقداسكم في عيد مار يوحنا مارون في 2 آذار 2013، يوم انطلاق المجمع الأبرشي في ابرشيتنا: « نهنئكم. وليكن هذا المجمع ربيع أبرشية البترون وربيع كنيستنا». وبدأت معكم مسيرتنا المجمعية، فيها نسير معاً، ونفكّر معاً، ونصلّي معاً، ونعمل معاً لكي نتجدّد بالعودة إلى جذورنا الروحانية ونتجدّد بدعوتنا إلى القداسة، ثمّ ننطلق في العمل، في عمل خدمة الكنيسة لمنطقتنا ولشعبنا. فكانت بعد التفكير في عمل اللجان السبعة عشر كانت لنا مبادرات. ومن هذه المبادرات تباركون اليوم إثنتين.
إن هذا الدير هو قلب الأبرشية النابض ويتنفس برئتين، البترون وتنورين، وحولها تتحرك كل أعضاء الجسم معاً، بتضامن ووحدة، لكي تحافظ على نعمة القداسة وحضور القديسين في أرضنا البترونية، ولكي نعمل معاً في مجمعنا الأبرشي على تطبيق توصيات المجمع البطريركي الماروني ونبني معاً مستقبلنا ومستقبل كنيستنا وشعبنا ووطننا لبنان.
لكم اليوم مواقف توجهونها إلينا وإلى إخوتنا في لبنان في هذا اليوم المصيري.
شكراً لله عنكم يا أبانا، وعلى قيادة الكنيسة والوطن إلى برّ الأمان والسلام".
الراعي
والقى الراعي كلمة دعا فيها القيادات السياسية والجهات المسؤولة في لبنان، إلى "التحلي بروح المسؤولية والحكمة، من أجل معالجة كل المشاكل العالقة". وجدد تشديده "على أن يكون للبنان رئيس للجمهورية من صنع الوطن". وبعد ان شكر خيرالله على كلمته وتحضير اللقاء، قال البطريرك الماروني: "نحن في مقام يعيدنا إلى 1400 سنة إلى الوراء، ويسعدنا وجود الوجوه الرسمية وراعي الأبرشية السابق المطران بولس اميل سعادة، وزير الاتصالات النائب بطرس حرب والنائبين انطوان زهرا وسامر سعادة، والسادة المطارنة والفاعليات ووجوه كريمة موجودة معنا في هذا المكان وفي هذا النهار".
وتابع قائلا عن الدير: "من هنا انطلق فجر الكنيسة عندما انتخب مطران البترون يوحنا مارون أول بطريرك على الكنيسة المارونية. لذلك عندما نأتي الى هذا الدير نعود الى 1400 سنة من نضال ماروني من اجل لبنان. نعم عاش الموارنة بقيادة بطاركتهم من مار يوحنا مارون الى اليوم، وانطلقوا من هنا بظروف صعبة واصعب من اليوم، مروا بزمن الخلفاء وفي عهد المماليك، وفي عهد العباسيين قبلهم، العثمانيين، وقادوا المسيرة الطويلة حتى وصلوا سنة 1920 مع ابن هذه المنطقة، ابن حلتا البطريرك الكبير خادم الله الياس الحويك، الى لبنان الكبير والى استقلاله".
أضاف: "إذا مسيرة 1400 سنة خاضها الموارنة من أجل هذا اللبنان، العيش معاً، مسيحيين ومسلمين، والذي مطلوب منه ان يكون ويجب ان يكون وهو كذلك نموذجا لكل بلدان الشرق الاوسط، لا بل البابا يوحنا بولس الثاني قال اكثر من ذلك، قال نموذجا ليس فقط للشرق الذي له نظام احادي ديني، كذلك بالنسبة للغرب هو نموذج الغرب العلماني حتى الفصل بين الدين والدولة. وجاء لبنان يعرف، يحفظ هذا الفصل بين الدين والدولة ولكن لم يفصل بين الدولة والله. لذلك هو نظام منفتح على كل الديانات وكل الثقافات وعلى كل الحضارات، وهذه هي مسؤوليتنا الكبيرة".
ورأى ان الصراع القائم في الشرق "هو صراع يريدون من خلاله اظهار ان الأديان لا تستطيع العيش مع بعضها، والثقافات المختلفة لا تستطيع ان تعيش مع بعضها. وأصبحنا نرى في البيت الواحد صراعا وخرابا ودمارا. نحن اليوم ومن هذا المكان بالذات نريد ان نوجه نداء باسم الحاضرين من نواب ومدنيين ورسميين والمجتمع المدني، الى الكتل السياسية والنيابية في لبنان. ما من احد يحب لبنان ومخلص للبنان قادر على البدء بسنة جديدة من الفراغ في سدة الرئاسة. ومن هنا ندعو الكتل السياسية والنيابية ان يكونوا على مستوى المسؤولية الوطنية التي عاشها اجدادنا وكانوا على مستوى كل العهود التي مرت عليهم وكانت مرة وصعبة، ولكنهم استطاعوا معاً كنسيين ومدنيين وبوحدتهم ونضالهم وهدفهم الذي وصلو إليه في 1920، ونحن بعد خمس سنوات سنحتفل بمرور مئة سنة على قيام دولة لبنان الكبير. لا يمكن ان نقبل بسؤال: أي لبنان نريد؟ او لا ندري ما هو مصير هذا الوطن؟ في حين مضت 95 سنة من عمر لبنان وهذا ليس بالامر السهل.
نناشد الكتل السياسية والنيابية أن يكونوا على مستوى الظرف وتكون لهم الشجاعة وحرية الرأي وروح المسؤولية وروح التجرد، لنجلس معا على طاولة واحدة لايجاد مخرج لهذه الأزمة التي ربطت، بعكس ما كان يريد اللبنانيون، بما يجري في الشرق الاوسط. كنا نسمع دائماً قبل الانتخابات نريد رئيساً من صنع لبنان وكلنا هللنا، ولكن الآن نحن نبرهن أننا لا نريد رئيساً من صنع لبنان".
وأردف: "نحن هنا في مقام القديس يوحنا مارون، لا نستطيع الا القول أننا نريد رئيساً من صنع لبنان، ومن صخور لبنان، رئيساً على مستوى الظرف الذي نعيشه، رئيساً جامعاً له من الحكمة والفطنة والتجرد والتاريخ ما يجعله يلعب الدور ويرد لبنان ويخرجه من ركامه فيستعيد هذا الوطن مكانته في الاسرة الدولية وهو مؤسس فيها وعضو فاعل، وفي الاسرة العربية وهو مؤسس فيها وعضو فاعل، فيستعيد مكانته ودوره ومحله.
كل الأنظار في العالم العربي، ولو كانوا في خضم حروبهم، تتجه الى لبنان لأن خلاص العالم العربي من خلال النموذج اللبناني، ومسيحيو الشرق يتطلعون الى لبنان ومسيحييه وتحديدا موارنة لبنان. اذا لا نستطيع ان نكون دون الواجب الوطني ودون النداء التاريخي الموجه الينا من مار يوحنا مارون، من هذا الدير، وصدى 1400 سنة من الضمير الوطني".
وختم آملا "ان يكون الرب مع جميع الكتل السياسية والنيابية وان يعصف الروح القدس، ونحن في عشية عيده، بالعقول والارادات والقلوب، هو روح الحرية هو روح المحبة هو روح الحكمة وهو روح الخير".
بعد ذلك أولم المطران خيرالله على شرف البطريرك الراعي والحضور.
عبرين
وبعد استراحة قصيرة في دير مار يوحنا مارون، انتقل الراعي والمطارنة علوان وخيرالله وضرغام الى الدير الأم لراهبات العائلة المقدسة المارونيات في عبرين، حيث ضريح البطريرك الياس الحويك، وكان في استقباله الرئيسة العامة الأم غبريـال بو موسى ومجلس المشيرات ورئيسات أديار ومدارس وجمهور الراهبات.
وزار الراعي ضريح الحويك، وبعد الصلاة رحبت الأم بو موسى باسم بنات الجمعية بالبطريرك الماروني في دير العائلة، وقالت: "زيارتكم سيدنا، بركة، بركة رسولية من أب الطائفة والجمعية، بركة يعتبرها دير العائلة بركة فوق بركة، وعلامة لرضى الأب المؤسس الذي ترك لهذا الدير ذخائر القداسة، وهو يريدها ملازمة لرسالة الجمعية".
وتابعت: "زيارتكم سيدنا نعتبرها محطة لا بد منها، كما كان يراها الأب المؤسس في مروره في هذه المنطقة المقدسة، كما يذكر في كتاب سيرة حياته "رجل الله، البطريرك الحويك" الذي ظهر حديثا في سلسلة "تراثنا الروحي".
ثم قدمت إلى الراعي والحضور نسخا من الكتاب الذي حضرته الأخت ماري انطوانيت سعاده، وهو يتضمن وثائق وكتابات لدعوى التطويب والتقديس.
الراعي
وقال الراعي: "يسعدني اليوم أن أقوم بهذه الزيارة مع سيدنا راعي الابرشية المطران منير والسادة المطارنة ابن عبرين المطران يوسف ضرغام الذي أحييه والمطران علوان الذي يحضّر معكم دعوى تطويب البطريرك الياس الحويك، مع وفد بكركي. نحيي الأم الرئيسة وجمهور الراهبات وكل الحاضرين معنا والآباء. لا يمكننا الا ان نخشع امام ضريح خادم الله البطريرك الكبير مار الياس بطرس الحويك، ولا نستطيع المرور الى دير مار يوحنا مارون، البطريرك الأول، من دون المرور الى عبرين حيث مسيرة طويلة من القداسة. من كفرحي إلى عبرين البطريرك الثاني والسبعين ابن حلتا الذي كان منذ طفولته ينظر الى دير مار يوحنا مارون وكانت العناية الالهية تحضره ليكون من خلفاء البطريرك القديس يوحنا مارون".
أضاف: "إذاً المرور الزامي الى دير عبرين لتوجيه التحية لجمعيته. نعم الكنيسة حسب قوانينها تتطلب دائما أعجوبة ما، ولكن أنا دائما أقول ان الأعجوبة هي جمعية، الجمعية التي تنمو وتكبر بمؤسساتها وبثمار عمله التي لا تحصى في كافة الميادين. انها الأعجوبة الكبيرة التي هي من صلاة رجل الله البطريرك الياس الحويك".
وتابع قائلا: "يسعدنا ان نحييكم كجمعية بطريركية، ونؤكد لكم دائماً الرباط بيننا وبين الجمعية هو رابط روحي اكثر مما هو رباط قانوني. هو نفسه الرباط الروحي الذي كان بين البطريرك الياس الحويك وبناته راهبات العائلة".
وأردف: "اليوم يمر لبنان بظرف عصيب للغاية، ونطلب شفاعة البطريرك الحويك ونطالبه بأعجوبة لخلاص لبنان من العواصف التي يمر بها لا سيما عاصفة الأزمة الرئاسية، والأزمات التي نعيشها والتي يتأثر بها لبنان بالاضافة الى العواصف التي تعصف به والرياح العاتية التي تضربه في هذا الشرق من كل جانب. نحن اليوم امام ضريح رجل العناية نجدد إيماننا بالله الذي لم يزعزعه أبدا، وبالعذراء سيدة لبنان، ونجدد الثقة بنفوسنا لأن الرب يريدنا ومن خلالنا أن يواصل ملكوته في ارضنا. واشكركم على هذا الكنز الكتاب الذي يحمل عصارة الدعوة التي قدمتموها لتطويبه وسأبدأ بقراءته منذ الليلة للدخول في روحانية هذا البطريرك الكبير".
وختم متمنيا للجمعية "دوام النمو والازدهار وبالعدد وبالقداسة وبالحضور في الكنيسة. شكرا لكم حضوركم وشكرا للرب عنايته بشخص البطريرك الحويك".
ثم انتقل الى صالون الدير، وكانت مناسبة للاطلاع على عمل جمعية راهبات العائلة المقدسة ومؤسساتها ونموها.
اجدبرا
ومن عبرين انتقل الراعي والمطارنة خير الله وعلوان وضرغام الى بلدة اجدبرا لتبريك أعمال إقامة الصليب الاكبر في لبنان والشرق، في إطار تعزيز السياحة الدينية في الأبرشية.
وعلى العقار الذي سيحتضن الصليب، أقيم احتفال حضره ممثل الرئيس أمين الجميل والنائب سامر سعادة رئيس اقليم البترون الكتائبي لحود موسى، ممثل رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب العماد ميشال عون منسق "التيار الوطني الحر" في منطقة البترون طوني نصر، وزير الاتصالات بطرس حرب، ممثل وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل سجيع لحود، النائب أنطوان زهرا ممثلا رئيس حزب "القوات اللبنانية سمير جعجع، ممثل رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجيه وضاح الشاعر، قائمقام البترون روجيه طوبيا، الرئيسة العامة لجمعية راهبات العائلة المقدسة الأم غبريـال بو موسى، رئيس اتحاد بلديات منطقة البترون طنوس الفغالي، رئيس بلدية اجدبرا حميد خوري، مختار البلدة ريمون منعم، لفيف من الكهنة والآباء، رؤساء بلديات ومخاتير، فاعليات سياسية واجتماعية ورؤساء جمعيات وروابط ومؤسسات وحشد من أهالي البلدة والجوار ومدعوين وأعضاء لجنة الوقف.
وبعد ان صافح الراعي الحضور ومستقبليه، توجه الى المخلع ضومط منعم ابن بلدة اجدبرا، الذي حضر على كرسيه من غرفة العناية الفائقة في مستشفى البترون، لاستقباله، فصافحه الراعي وباركه وشكر له حضوره.
خشان
بعد النشيد الوطني، ألقى خادم الرعية الخوري شربل خشان كلمة قال فيها: "عشية عيد العنصرة، عيد حلول الروح القدس على التلاميذ وانطلاق الكنيسة، تزورون مرة جديدة إجدبرا يا صاحب الغبطة، ويومها قلت لكم مستقبلا أهلا بربيع الكنيسة، واليوم وبعد سنوات من الكلام عن ربيع عربي، نقول العالم يزول والكنيسة باقية وبطريركها ربيعها.اهلا بكم".
وشكر "حضرة رئيس البلدية الأستاذ حميد خوري، صاحب الحركة التي لا تهدأ، والمجلس البلدي الكريم لما يبدوانه من تعاون مع الوقف والرعية، ومجتمع مدني اندمجت في مسيرة المجمع الأبرشي، الذي اطلقه سيادة راعي الأبرشية، وفي السنة الثانية للمجمع المذكور، والتي تعرف بسنة المبادرات. ها هي رعيتنا تطل على الأبرشية وعلى العالم بمشروع مميز شكلا ومضمونا ورسالة، تسعى من خلاله إلى ان تساهم في مسيرة الإنماء إقتصاديا وروحيا".
وتوجه الى "صاحب الغبطة" بالقول: "في زمن يحيط بنا فيه ظلام وعتمة، تملأ القلوب حقدا وضغينة، في زمن يلفنا جهل مسمى عودة إلى الجذور او ما يطلق عليه اساس الدين. في زمن يجتاحنا فيه التكفير والقتل والإجرام وهتك الحرمات. جئنا نرفع صليب يسوع المسيح عاليا، لينير هذا الشرق الحزين، ويبدد الظلمة والظلم، ويزيح عن قلوبنا الطغمة الرهيبة".
أضاف "ارادوا هدم آثارنا ومحو تراثنا واقتلاع جذورنا، فشئنا ان نلهب عقولهم المتحجرة بشمس المحبة، وبهاء قيمنا التي أرساها إلهنا، الذي سمر يوما على الصليب، ليرفع عنا حجر الموت والقهر".
وتابع "صاحب الغبطة، في الذكرى المئوية الأولى للمجزرة الأرمنية قلتم: المسيحية لم تدخل بالسيف او بالمال او بالجبروت الى هذا العالم بل بالمحبة والحقيقة. واسمى تجليات المحبة ظهرت حينما قال السيد المسيح: ما من حب اعظم من أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل من يحب. من قلب المصلوب ومن رحم الصليب ولدت الكنيسة، ولا شيء يعلو فوق المحبة ومجد الحقيقة. لذا نقول هدموا ما شئتم، فإن لنا صليبا ارتفع في هذا الشرق، ولن تستطيع ايدي الشر ان تحجب نوره.العالم يزول والكنيسة باقية الى أبد الآبدين".
وأردف "عندما اسأل هل تريدونه صليب تحد، اجيب نعم به نتحدى الظلمة بالنور، والجهل بالحقيقة، والتكفير بالغفران والتقوقع بالانفتاح، والشر بالخير، والموت بالحياة. ولو سئلت كيف تريد هذا الصليب؟ لأجبت بدون تردد: اريده انعكاسا لوجوه ابناء بلاد البترون، صليب صلاة وقداسة وايمان، صورة تشبه وجوه هذا الحضور الوفي للكنيسة ولمسيحها. أريده ككهنة أبرشيتي الحبيبة، خدمةً وتواضعاً وروح إلفة وأخوة. أريده شبيها ببلاد المطران بولس اميل سعادة، قويا صلبا شامخا كجبال إهدن وأرز بشري. اريده على اسم سيادة راعي الأبرشية، منيرا مشعا رسالة خدمة بالمحبة للعالم اجمع. اريده صدى لصوت الراعي. اريده صليب شركة ومحبة".
الوقف
ثم كانت كلمة لجنة الوقف ألقاها أنطوان قهوجي، الذي رحب بالراعي والمطارنة والحضور، ثم قال: "زيارتكم يا صاحب الغبطة، كما تعلمون، هي للاحتفال برتبة تبريك المكان، الذي سيرتفع عليه البناء الشامخ والمميز، ضخامة وهندسة للصليب المقدس، والذي تعتزم رعية مار سابا اجدبرا تشييده على هذا الجبل المشرف على مدن وقرى البترون وجبيل والكورة وبشري، وعلى هذه التلال والوهاد امامكم الرائعة الجمال من بلادي الحبيبة".
أضاف "إن هذه الزيارة المباركة، هي الثانية لقريتنا، وتأتي في سياق الجهود التي تبذلونها من أجل الوطن والطائفة ومسيحيي الشرق وبلاد الإنتشار، ستزيدنا تصميما على استكمال مشروع الصليب، الذي كان في البداية مشروعاً متواضعاً، تبرع به بعض شباب القرية، فأصبح محجا يقصده المؤمنون من ابناء الرعية وابناء الرعايا المجاورة ليلة عيد ارتفاع الصليب من كل سنة،إلى ان أدت العوامل الطبيعية الى تصدعه، وبعد ذلك أصبح هدفاً أساسياً لأعضاء لجنة الوقف وأبناء قريتي الأحباء، ووعداً قطعناه لسيادة راعي الأبرشية السابق المطران بولس اميل سعادة السامي الإحترام، الذي أراده بناء شامخا يتخطى ارتفاعه الثلاثين مترا. وها نحن الآن نفي بالوعد استجابة لتلك الصرخة النبوية، وقد ضاعفنا ارتفاعه بحيث اصبح ستين مترا، وذلك ببركة راعي الأبرشية الحالي المطران منير خير الله السامي احترامه، الذي وضع حجر الأساس في 13 أيلول 2012".
وتابع "إن صدى هذا المشروع قد بدأ يتردد في لبنان والعالم، واسمحوا لي أن اذهب بالخيال الى الزمن الآتي، وبعد انجاز هذا الصليب، الذي سيرتفع على هذه التلة، التي ستباركون ترابها، لنرى المؤمنين يتقاطرون من كل حدب وصوب، ليرفعوا صلواتهم وادعيتهم الى السماء طلباً للتبرك. عندها تكون فرحتنا كبيرة ابناء قريتي وابناء الجوار بهذا الصليب المهيب".
وختم "اننا كلجنة وقف، سوف نجهد لتحقيق هذا المشروع الإنمائي والروحي، والتربوي، والإجتماعي، والسياحي، والبيئي على هذا العقار الذي تملكه الرعية، وعرض تفاصيل المشروع وأقسامه وأهميته وجدواه الاقتصادية لجهة تأمين فرص العمل، كما سيكون استكمالاً لطريق القديسين رفقا والحرديني ومار مارون ومار يوحنا مارون، وصولا بقدرة الرب الى البطريرك الحويك في عبرين".
خوري
وبعد أن رحب رئيس بلدية اجدبرا حميد خوري بالراعي والحضور، قال: "زيارتكم اليوم، لبلاد البترون، وبنوع خاص لبلدتي الحبيبة إجدبرا، التي أولتني ثقتها لأخدمها مع سائر أعضاء المجلس البلدي، أشبهها بدخول الرب يسوع الى اورشليم، كملك حامل رسالة المحبة والغفران للبشرية، ونضم أصواتنا الى أصوات الأطفال والمؤمنين قائلين: مبارك الآتي باسم الرب".
أضاف "صاحب الغبطة، عندما قمتم بزيارتكم الأولى لبلدتنا شئنا، أن نعبر لكم عن حب وتقدير أبناء اجدبرا لشخصكم الكريم، فاسمينا الشارع الرئيس في البلدة على اسمكم المبارك. واليوم فرحين بقدومكم نستقبلكم على قمة جبل الصليب لتدشنوا الطريق، الذي شق وعبد وجهز لاستقبالكم، مدشنين بذلك زمناً مباركاً من الحياة الروحية والإنمائية، التي ستنطلق من على قمة هذا الجبل"، لافتا إلى إن "الإنماء لا يتحقق بالخطب والكلام، بل هو ارادة وعزم ورؤية وتخطيط، هو ارادة شعب شاء، ان يتمسك بأرضه وكنيسته وقيمه الإنجيلية والإنسانية. ونحن بدورنا وبقدر ما أؤتينا من عزم وقوة، نجهد على جعل قريتنا بلدة نموذجية من خلال تجاوبنا ودعمنا لهذا المشروع العظيم، الذي بدأته لجنة وقف مار سابا اجدبرا، فوقفنا الى جانبها، ومعها كمجلس بلدي، مع ابناء القرية والكثير الكثير من الأصدقاء، ومع كل من آمن بالإنماء وبقضية وجودنا وتجذرنا في هذا الوطن والشرق".
وتابع متوجها الى البطريرك الراعي بالقول: "صاحب الغبطة، إن اجدبرا هذه القرية المارونية الصغيرة عددا ومساحة، الكبيرة الكبيرة بإيمان ابناءها وبناتها، كبيرة بمحبتهم لكنيستها، ولشخص بطريركها الحبيب، هذه البلدة ما كانت لتحقق ما حققته لو لم يترسخ في ضميرها ووجدانها شعاركم شركة ومحبة. هذا الشعار نعيشه ونجسده في حياتنا اليومية، شعارا اتخذناه سراجا لعملنا الإجتماعي والإنمائي والروحي. ولا يخفى عليكم يا صاحب الغبطة، كم نعتز ونفتخر في اجدبرا بالتماهي والتنسيق والتفاعل ما بين ما كان يعرف: سلطة زمنية بوجه سلطة كنسية. فانصهرنا معاً كجسم واحد، رأسه يسوع المسيح، من اجل بناء مجتمع افضل قوامه الشركة والمحبة. فارفع صليبك يا صاحب الغبطة، وبارك اساسات هذا الصليب، الذي يتجذر في الأرض، تجذر الموارنة في هذا الشرق والعالم. ارفع صليبك وبارك هذا الوطن ليرفع عنه الضيم والويلات".
وختم "من هنا، من أرضنا، مر صانع الاستقلال ودولة لبنان الكبير البطريرك الياس الحويك. وهنا في أرضنا، وعلى مرمى حجر سكن البطريرك الأول يوحنا مارون، وهنا ايضا في كفرحي بارك ضمير لبنان مار نصر الله بطرس صفير هامة مار مارون". وشكر "كل من سعى لانجاز ولاطلاق المشروع، وإنجاح حفل التبريك".
الراعي
وألقى الراعي كلمة قال فيها: "قمنا بجولة رعوية، وتوقفنا في محطات لها معانيها في إطار المسيرة المجمعية والمجمع الابرشي، الذي بدأ منذ سنتين تحت شعار "على خطى ابينا مار يوحنا مارون نتجدد ونتقدس بالمسيح"، وتوقفنا في محطات رئيسية، ووضعنا الحجر الاساس لمؤسسة مار اسطفان الاجتماعية في مراح شديد، كتطبيق اولي ومنظور وملموس لخدمة المحبة الاجتماعية، التي هي تطبيق لأعمال المجمع الابرشي والمجمع البطريركي الماروني. ووقفتنا كانت في دير مار يوحنا مارون في كفرحي مع البطريرك الاول للكنيسة، القديس الذي سبق، وكان مطراناً على أبرشية البترون. ثم انتقلنا الى محطة عند ضريح خادم الله البطريرك الكبير الياس الحويك في عبرين، وهو ابن منطقة البترون وابن بلدة حلتا، أب لبنان الكبير وأب الاستقلال. وعند ضريحه جددنا إيماننا بالعناية الالهية، وبلبنان ودوره وقيمته في هذا الشرق".
أضاف: "ها نحن الآن، في المحطة الرابعة والأخيرة في جولتنا، وفيها عودة الى الجذور، الى صليب المسيح وذروة أبعاده المحبة، التي علمنا اياها الرب، والتي هي القوة الاساسية والسلاح، وهي الحقيقة والمحبة، التي عليها بنيت عليها الكنيسة، والتي نحن نبني عليها كنيستنا في لبنان والشرق".
وحيا "المطران خير الله وسلفه المطران سعادة، الذي سلمك الامانة، وحافظت عليها لتستمد القوة منه والكهنة ومعكم، انطلقت الابرشة بمؤسساتها وأديارها والتقت مع كل النشاطات الكنسية والروحية والزمنية. إنها منطقة قديسين كبار، اعطوا اريجهم للمنطقة: شربل ونعمة الله ورفقا والاخ اسطفان. حياة كنسية ناشطة ومؤسسات اجتماعية متقدمة وحضور كهنوتي عميق"، موجها التحية إلى :كل السلطات المدنية والنواب الكرام والبلديات والمخاتير، على كل ما يقومون به من مشاريع انمائية".
وإذ اكد "اكمال المسيرة معكم"، شكر الجميع على "كل ما يقومون به روحيا وزمنيا، لانماء المنطقة وانماء الروح والايمان".
وختم "ليس صدفة ان نبارك هذه الارض لرفع الصليب عشية عيد العنصرة، وليكن هذا المكان الذي اطلقتم عليه اسم مدينة السلام، على هذه القمة مكان الشبيبة والعائلات، دعونا نحمل معنا، أن نعصف بعائلاتنا وكنيستنا ومجتمعنا برياح الحب والحقيقة. هذه هي قيمة المسيحية، رياح وعواصف حب، ومن دونها تفقد المسيحية قيمتها ومعانيها. فليبق الصليب مرتفعا، ولنعلم أننا بالمحبة نستطيع تغيير وجه العالم، وهذا هو الدور المنتظر من لبنان واللبنانيين".
التبريك
وبعد صلاة التبريك، رش الراعي المياه المباركة، ثم قطع وخير الله وسعادة وحرب وزهرا قالب الحلوى، ثم اطلع على بدء العمل في مشروع الصليب الاكبر، في حضور وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل.