عظة المطران منير خيرالله
في قداس ليلة عيد مار روكز- محمرش
السبت 15/8/2015
« كونوا أنتم ايضاً مستعدين» (لوقا 12/40)
أخي أبونا جورج (طنوس) خادم هذه الرعية الحبيبة
أحبائي جميعاً أبناء وبنات محمرش.
غمر الفرح قلبي عندما وصلت الليلة إلى محمرش لنعيّد معاً عيد مار روكز شفيع رعيتكم واستقبلتموني بفرسانكم وطلائعكم وأخويتكم بالترانيم والتراتيل.
هذه هي محمرش التي عرفتها وأحببتها ولا زلت أحبّها.
إنها محمرش المجتمعة هنا بقلب واحد بكبارها وشبابها وصغارها؛ محمرش الوفيّة لعيش إيمانها بالرب يسوع وللتشبّه بشفيعها مار روكز. فقد اختار أجدادكم وآباؤكم مار روكز شفيعاً لهم لأنهم كانوا يريدون أن يتشبّهوا به ويعيشوا حياة التجرّد عن العالم ومحبة الناس وخدمتهم بمجانية وعطاء.
ولد مار روكز في عائلة شريفة تقيّة في مونبلييه فرنسا. وعند ولادته ظهر على صدره صليب أحمر يرمز إلى جهاده في الحياة حتى الدم. وكان متفانياً في محبة القريب. ولما توفي والداه، وهو ابن عشرين سنة، وزع أمواله على الفقراء وترك لعمّه ما يملكه من أراضٍ واسعة وقرى عديدة. ثم تنكر بزي الفقراء والمساكين وهجر وطنه إلى روما حيث كان مرض الطاعون يفتك بالناس. فراح يهتّم بدفن الموتى ويخدم المرضى ويشفيهم بإشارة الصليب المقدس. لكنه أصيب بهذا المرض فلجأ إلى غابة وقاسى آلاماً مبرحة. وما لبث أن شفاه الله من مرضه وأوحى إليه بالرجوع إلى فرنسا حيث كانت الحروب الأهلية تفتك بأهلها. دخل متنكراً إلى وطنه وكان عمه أصبح والياً. فظنّه جاسوساً وطرحه في السجن. صبر روكز على بلواه ممارساً الصوم والصلاة. وبعد وفاته سنة 1327، وجدوا أمام جثمانه لوحة مكوباً عليها: «من أصيب بالطاعون والتجأ إلى عبدي روكز ينجو بشفاعته». واكتشف عمه حقيقة الأمر وتأكد من الصليب الأحمر على صدره. فتاب إلى الله وكفرّ عن ذنبه وبنى كنيسة على إسم مار روكز.
يعلّمنا هذا القديس أن نثق بالرب وأن نكون دوماً مستعدين لخدمته وخدمة شعبه لأنه يقول لنا، كما سمعنا في إنجيل الليلة: «من تراه الوكيل الأمين الحكيم الذي يقيمه سيده على خدمة أهل بيته. فطوبى لذلك العبد».
في هذه الليلة المباركة أتوجه إليكم يا أبناء محمرش لأقول لكم: أنتم وكلاء المسيح في كنيسته وفي العالم؛ وكل واحد منكم يسلّمه يسوع وكالةً خاصة به، كما كل واحد منا، وسيؤدي حساباً عنها يوم الدين.
نحن إذاً وكلاء لا مالكين ! لم يغادر أحد هذه الدنيا وهو يحمل معه شيئاً منها، لا مال ولا ممتلكات. كلها باقية هنا وزائلة وفانية. إنها علامة لنا أن الله خلق الإنسان على صورته كمثاله وخلق هذا الكون والمخلوقات كلها ووضعها بتصرّفه وسلّطه عليها، وأوصاه أن يستخدمها بحكمة وعدل وأمانة واحترام. وجاء المسيح يثبّت له هذه الوكالة ويوصيه بأن يكون مستعداً لتأدية الخدمة الموكلة إليه في كل زمن وبأن يكون مخلصاً وأميناً لهذه الوكالة. ويذكّرنا يسوع أن يوم الحساب آتٍ على كل إنسان ولا مفرّ منه. وطوبى لكل إنسان عرف أن يخدم بتجرّد وأمانة وإخلاص؛ فإنه سيقدم أعماله. والله الخالق والديان العادل يحاسبنا على أعمالنا بمحبته المطلقة ورحمته اللامتناهية.
هكذا نال شفيعكم مار روكز اكليل المجد واستحق الطوبى.
أنا سعيد جداً بوجودي معكم هذه الليلة لأني أرى الرعية تعود إلى نموّها الروحي وتكبر بالرب يسوع وتزدهر بإيمانها وتتجدّد بكبارها وصغارها، بفرسانها وطلائعها وشبابها وأخويتها. واليوم تغمر الفرحة قلبنا لأننا سنكرّس أعضاء جدداً في الأخوية. ويمكننا القول إن رعية محمرش تبقى حاملة شعلة المحبة والوحدة والتضامن والالتزام الكنسي.
لا تخافوا إذاً ! فبقدر ما نحن ضعفاء وخطأة، بقدر ما يعاملنا الله بالرحمة ويغدق علينا نعماً كثيرة من خلال كل عائلة من عائلاتنا المقدسة، من خلال أولادنا الذين تتعبون وتضحّون في سبيل تربيتهم على الإيمان والقيم المسيحية. إنها تعزية لكم عندما ترون أولادكم يكبرون في محبة الله والكنيسة والإنسان ويتحمّلون مسؤولياتهم في خدمة الوكالة التي سلّمهم إياها الرب يسوع.
لا تخافوا ! حتى ولو كانت الظروف التي تمرّ علينا في لبنان وفي بلداننا في الشرق الأوسط ظروفاً قاسية وتتجلّى في الحروب العمياء التي تدور حولنا، فنحن أقوياء يإيماننا وبثقتنا بالله. فقد مرّ على أجدادنا وآبائنا في مسيرة كنيستنا ظروفاً أقسى منها، لكنهم صمدوا في نضالهم وثبتوا في إيمانهم وفي أرضهم المقدسة وفي القيم التي تربّوا عليها. تعالوا ننقلها بأمانة إلى أولادنا وأجيالنا الطالعة.
تعالوا نحمل معاً رسالة كنيستنا ووطننا لبنان في العيش معاً بحرية وكرامة واحترام متبادل في تعدّدية انتماءاتنا الدينية والثقافية السياسية. فنحن قادرون على ذلك من أجل أن يبقى وطننا وطناً رسالة وأن تبقى كنيستنا الكنيسة الشاهدة للمسيح، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. آمين.