لقاء الشبيبة الأبرشي في تنورين 30-8-2015

 

عظة المطران منير خيرالله

في قداس لقاء الشبيبة الأبرشي،

كنيسة سيدة الإنتقال- تنورين، الأحد 30/8/2015

 190

« أمكث معنا فقد حان المساء ومال النهار» (لوقا 24/29).

 

أحبائي شبّان وشابات الأبرشية

بفرح كبير نلتقي اليوم، ومركزية لقائنا ذبيحةُ الشكر لله على «محبته العظمى» لنا نحن البشر، لدرجة أنه جاد بابنه الوحيد يسوع المسيح الذي خلّصنا بموته على الصليب و«صالحنا مع الله الآب لنصبح جميعاً قديسين بلا لوم ولا عيب»، كما يقول القديس بولس في رسالته التي سمعناها.

اختيار إنجيل تلميذي عماوس للقائنا اليوم هو اختيار مناسب لأننا نحن اليوم في وضع يشبه وضع تلميذي عماوس. ونستطيع أن نقرأ هذا الحدث الإنجيلي في عدة مشاهد.

في المشهد الأول نرى التلميذين العائدين من أورشليم خائبين يتحادثان ويتجادلان «بكل الأمور التي جرت في ما يختصّ بيسوع الناصري الذي كان نبيّاً مقتدراً على العمل والقول عند الله والشعب كلّه؛ وقد أسمله عظماء الكهنة والرؤساء ليُحكم عليه بالموت ويصلب». وكان قد وعد أنه سيقوم في اليوم الثالث. كُنا نرجو ذلك، لكننا فقدنا الرجاء وخسرنا كل شيء.

في المشهد الثاني نرى يسوع نفسه قد دنا منهما وراح يسير معهما ويكلّمهما، «ويفسّر لهما يا يختص به في جميع الكتب من موسى إلى جميع الأنبياء». ووبّخهما على قلة إيمانهما. لكن أعينهما حُجبتا عن معرفته، لأن الخوف والحزن واليأس والخيبة قد أعمت بصيرتهما.

في المشهد الثالث، ولما كانا قد وصلا إلى القرية التي يقصدانها، «تظاهر يسوع أنه ماضٍ إلى مكان أبعد». فألحّا على استضافته وقالا له: أمكث معنا فقد حان المساء ومال النهار. فدخل معهما البيت. ولما جلسوا للطعام، أخذ يسوع الخبز وبارك وكسره وناولهما. فانفتحت أعينهما وعرفاه فغاب عنهما. إنها علامة كسر الخبز التي ذكّرتهم بالعشاء الأخير وبالكلام الذي قاله لهم.

في المشهد الرابع، نرى التلميذين، بعد أن انفتحت أعينهما، يستعيدان إيمانهما ونشاطهما ويقرران العودة حالاً وسريعاً إلى أورشليم، مع أنه قد حلّ الليل، لينقلا بشرى القيامة إلى الرسل الأحد عشر والإخوة المجتمعين معهم.

من يلتقي بيسوع القائم من الموت وينفتح قلبه عليه لا يستطيع أن يبقى قابعاً في بيته حتى ولو في الليل، بل يشعر أنه على استعداد ليحمل بشرى الخلاص بفرح إلى الآخرين.

إخوتي الشباب والصبايا، ماذا نتعلّم من هذا الحدث الإنجيلي واية أمثولة نتخذ لحياتنا اليوم ؟

إننا نعيش الحالة التي كان فيها الرسل والتلاميذ بعد موت يسوع وقيامته. إننا في حالة خوف على مصيرنا وقد فقدنا الأمل بغدٍ أفضل ونعتبر أننا خسرنا كل شيء على أرضنا؛ لا يبقى لنا سوى أن نفتش عن مستقبلٍ لنا خارج وطننا وخارج كنيستنا.

لكن يسوع ينضم إلينا أينما نحن وفي الحالة التي نحن فيها. إنه يمشي معنا ويرافقنا، لأنه الرفيق الدائم، ويوبخنا على قلّة إيماننا ويذكّرنا أنه معنا حتى منتهى الدهر. لكن الخوف والإحباط يحجبان أعيننا عن رؤيته وآذاننا عن سماعه. أما هو فينتظر أن ندعوه إلى بيتنا وأن نستضيفه ليكسر معنا الخبز ويوزعه علينا بركة إلهية.

إنه معنا اليوم في هذا القداس يلقي علينا كلمة الله ويمنحنا جسده ودمه عربون خلاص أبديّ. فكيف نتعامل معه ؟

إذا تعرّفنا إليه وسمعنا له وفتحنا قلوبنا له نجدّد التزامنا بحمل الرسالة التي يسلّمنا إياها. فلا يعود بإمكاننا السكوت أو الإختباء في العلّية؛ بل ننطلق وقلوبنا مليئة بالفرح لنقل البشرى إلى العالم حتى ولو في الليل الحالك أو في قلب العاصفة أو في الشدّة الصعوبات والحروب. فنروي للجميع قصة لقائنا بيسوع.

إني أدعوكم أيها الشبان والشابات إلى أن تجدّدوا لقاءكم بيسوع وتنطلقوا بفرح ورجاء إلى إخوتكم الشباب الذين ينتظرون منكم شهادة المحبة الصادقة. بشرّوهم بيسوع القائم من الموت وهو وحده الربّ والإله والمخلّص. فأنتم تفهمون لغتهم، ومن السهل عليكم أن تتواصلوا معهم بكل الوسائل الحديثة. ولتكن حياتكم بينهم شهادةً لحضور يسوع ولفرح اللقاء به.

كنيستكم البترونية تعتمد عليكم فأنتم ضميرها وأنتم مستقبلها. نحن في أبرشية البترون في مسيرة مجمعية منذ سنتين والهدف منها أن نتجدّد ونتقدس بالمسيح على خطى آبائنا القديسين.

فأنتم إيها الشباب قلب هذه المسيرة ومركزيتها، وعليكم تقع مسؤولية إنجاح المجمع وتطبيقه. فكونوا كما تلميذي عماوس بعد لقائهما بالمسيح رسلَ الرجاء بعالم جديد تساهمون في بنائه لحرية وكرامة كل إنسان. كونوا رسل المسيح بنكهة مارونية تتميزون بروحانية نسكية تشهدون من خلالها على قربكم من الله وعلى تجرّدكم عن مغريات الدنيا، كأنكم في العالم وأنتم لستم من العالم. آمين.

 

 

لقاء الشبيبة مع المطران خيرالله

في مبنى بلدية تنورين

الأحد 30/8/2015

 

        بدأ اللقاء المفتوح بحديث لسيادة المطران خيرالله شدّد فيه على مسيرة المجمع الأبرشي بهدف التجدّد، وهي تبدأ بالعودة إلى جذورنا الروحانية على قمم جبالنا وفي قعر ودياننا وإلى القيم التي تربّينا عليها في عائلاتنا وكنيستنا، وتجعلنا نأخذ العبر من أجل تصحيح الإعوجاج الحاصل حاضراً ورسم خطوط المستقبل. والشبيبة في هذه المسيرة لهم الدور الأكبر والأهم. إنهم المستقبل في الكنيسة وفي المجتمع وفي الوطن.

وكان بعدها حوار صريح طرح فيه الشباب بعض الأسئلة حول مواضيع تهمّهم:

1-     العمل الجماعي الكنسي: علينا أن نعمل معاً ونلتزم نحن شبيبة الأبرشية بالعمل الكنسي والجماعي. كيف نطوّر هذه الذهنية ؟

2-     كيف نصل إلى التنمية الشاملة قبل أن يغادر شبابنا إلى السواحل أو إلى خارج لبنان ؟ ما هو دور الكنيسة في تعزيز الإنماء وخلق فرص عمل ؟ مع أننا نعرف أن أبرشيتنا فقيرة مادياً.

3-     على مستوى التعليم العام والجامعي، ما هو دور الكنيسة في تأمين المنح المدرسية والجامعية للمحتاجين من بيننا ؟

4-     على المستوى الروحي: نحن نحتاج إلى التعمّق بإيماننا ونموّنا الروحي، وبالتالي إلى مراكز تنشئة. ما هو دور أبرشيتنا في تأمين التنشئة ؟

5-     نحن منقسمون سياسياً واجتماعياً، ولا أحد يوحّدنا سوى الكنيسة. ماذا تؤمّن أبرشيتنا لتوحيد الشبيبة ؟

6-     رجال الدين والسياسة: ما هي حدود تعاطي رجال الدين في السياسة ؟

وما هو موقفنا كشبيبة البترون من المظاهرات هذه الأيام في الحراك المدني ضد الفساد في الدولة والسياسيين ؟

7-     كيف نقوم بدورنا نحن الشبيبة كأنبياء يرفعون الصوت لتوبيخ المسؤولين السياسيين عندما يخطأون في تحمّل مسؤولياتهم.

8-     الدين والدولة: ما هي العلاقة بينهما ؟ وهل بالامكان الفصل بين الدين والدولة في لبنان ؟

9-     الزواج المدني: ما هو موقف الكنيسة من الزواج المدني ؟

بعد هذا الحوار، كانت صلاة للشبيبة وصلاة للمطران خيرالله.

  1. 1)صلاة الشبيبة من أجل مطران الأبرشية:

بختام لقاءنا معك راح نصلّي سَوا على نيّتك يا راعينا.

منسلّمك يا ربّ راعينا منير خيرالله، يلّي اخترتو تيكون راعي لشعبك بمنطقة البترون. حِمِل المسؤولية بأمانة، وبعدو عم يسهر عالقطيع بكلّ فئاتو؛ والشبيبة هي من أولى اهتماماتو. حضورو سَنَد لإلنا، وعينو الساهرة علينا وعلى نشاطاتنا خير دليل إنّو نحنا الشبيبة إلنا بقلبو مطرح كبير.

يا رب، صلاتنا منرفعها اليوم حتى تدفّق خيراتك السماوية على بيّنا منير، وتكون إنت المصدر اللّي بيستمدّ مِنّو النور حتى يشعشع بأبرشيتنا، أرض القديسين، أرض مار مارون ومار يوحنا مارون. وهيك بيكون فِعلاً عم يطبّق كلمات الإنجيل: « أنتم نور العالم»؛ هالشعار يلّي اختارو يوم رسامتو الكهنوتية من 38 سنة. واليوم عم يقول لكلّ واحد منّا: إنت كمان فيك تكون نور للعالم إذا عرفت كيف تكون مرتبط مباشرة بمصدر النور يسوع المسيح.

يا رب، الفرحة بقلبنا كبيري اليوم، نحنا المجتمعين باسمك حول راعينا وبيّنا. عم يسمع همومنا وعم يعطينا من خبرتو ومسيرتو الطويلة معك. بارك، يا رب، أعمالو، ورافق خطواتو كلاّ، واعطيه روح الحكمة حتى يعرف يقود شعبك لبَرّ الأمان. آمين.

 

  1. 2)صلاة المطران خيرالله من أجل الشبيبة:

« أما الآن فإني ذاهب إليك. ولكني أقول هذه الأشياء وأنا في العالم ليكون فيهم فرحي التام. بلّغتُهم كلمتك فأبغضهم العالم لأنهم ليسوا من العالم كما أني لست من العالم. لا أسألك أن تخرجهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير. كرّسهم بالحق. إن كلمتك حق. كما أرسلتني إلى العالم فكذلك أنا أرسلتهم إلى العالم وأكرّس نفسي من أجلهم لكي يكونوا هم أيضاً مكرَّسين بالحق». (يوحنا 17/13-19).

ربي وإلهي يسوع المسيح. أنا مثل توما الذي رجع تائباً إليك وسجد أمامك وقال لك: ربي وإلهي ! أعترف بك أنك الرب والإله؛ أنك المرجع والمعلّم؛ أنك الإله والمخلص؛ أنت كل شيء. بعد أن سلّمتني كنيستك ورعاية شعبك البتروني، أسجد أمامك اليوم أنا الضعيف والخاطئ مع الشبيبة الذين واللواتي يمثلون كل شبيبة الأبرشية. نسجد أمامك مثل توما ونقول لك: ربي وإلهي. أنت قادر على كل شيء. أنت قادر أن تقوّينا وتقدّسنا بالحق.

أريد أن أصلّي معك يا يسوع اليوم من أجل إخوتي المكرّسين والكهنة الذين منحتني نعمة كمال الكهنوت لخدمتهم.

أريد أن أصلّي من أجل الشبيبة، وبخاصة الموجودين هنا. وأقول معك للآب: لا أسألك أن تخرجهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير. قدّسهم بالحق، إن كلمتك حق. أريد أولاً أن أقدّس ذاتي من أجلهم لكي يكونوا هم أيضاً مقدّسين. ونحن في مسيرة مجمع أبرشي نهدف فيه إلى أن «نتجدّد ونتقدس بالمسيح على خطى مار مارون ومار يوحنا مارون وآبائنا القديسين». إنهم خميرة العالم الذي نعيش فيه. وأنا متأكد ومقتنع أنهم الخميرة الجيدة القادرة على تخمير مجتمعنا الغارق بالفساد والخطيئة والأنانية والبُعد عنك. فهم قادرون أن يكونوا خميرة مباركة في أرضنا، في لبنان وفي بلدان الشرق الأوسط، تلك الأرض التي اخترتها لكي تتجسد فيها وتصبح إنساناً مثلنا؛ الأرض التي اخترتها لتموت فيها على الصليب وتغفر لصالبيك؛ واخترتها أيضاً لتقوم فيها من الموت وتنتصر بالصليب الذي هو مجد كل واحدٍ منا.

أصلي من أجل شبيبتنا الذين كرستهم بالحق ليعيشوا في العالم وهم ليسوا من العالم، وليكونوا، بنعمتك ومعونة روحك القدوس ورحمة الله أبيك اللامتناهية، أنبياء هذا العصر ويتكلموا باسمك ويرفعوا الصوت ضد الخطيئة والفساد والشر والحقد والتطرف والتعصب.

أصلي من أجلهم أمامك الآن ليكونوا أنبياء الكلمة. فأنت الكلمة، كلمة الآب للبشر. ليكونوا رسل هذه الكلمة بفرح ورجاء لإخوتهم الشباب.

أنا أعرف يا يسوع أنه كان من الصعب على رسلك وتلاميذك أن يعيشوا المحبة، لأنها تتطلّب المغفرة. لكن ثمن المحبة الذي دفعته على الصليب جعلك تقول لهم: «أحبّوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم»، «وما من حب أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل أحبائه».

أسلّمك يا يسوع شبيبتنا في كنيستك في البترون. باركهم وكرّسهم بالحق. إنهم مستقبل الكنيسة والمجتمع والوطن لبنان الذي أردته وطناً رسالة في المحبة والمصالحة والسلام وفي العيش الواحد الكريم باحترام تعددية الانتماءات الطائفية والدينية والثقافية والحضارية.

أسلّمك يا يسوع شبيبتنا البترونية لكي تجعل منهم صانعي سلام ورسل محبة ورائدي ثقافة الحياة. آمين.

Photo Gallery