عظة المطران خيرالله في قداس عيد مار ماما- إده 1-9-2015

 

عظة المطران منير خيرالله

في قداس عيد مار مار ماما- إده

الثلاثاء 1/9/2015

 191

« أنا ما جئت لأدين العالم بل لأخلّص العالم» (يوحنا 12/47)

 

أبونا إيلي (سعاده) خادم هذه الرعية،

أبونا ادمون (رزق لله) رئيس لجنة وقفية مار ماما،

سعادة القائمقام،

أحبائي جميعاً أبناء وبنات رعية إده الحبيبة،

 

        أعيّد معكم اليوم، كما كل سنة، عيد مار ماما الذي هو عيد عزيز لديكم مثل عيد مار سابا شفيعكم. قديسان يشفعان بنا ويدلاّننا على طريق الخلاص، طريق يسوع المسيح الذي قال لنا: «أنا ما جئت لأدين العالم... أنا جئت نوراً للعالم كي لا يمكث أحد في الظلام».

يريد يسوع أن يخلّصنا من ظلام الخطيئة وعبوديتها؛ لذا فهو لم يأتِ ليدين البشر، لأنه يعلم أن البشر ضعفاء. بل تبنّى البشرية بضعفها وأراد أن يخلّصها بأكبر فعل محبة، وهو أن يبذل نفسه من أجلها موتاً على الصليب ويبيّن لها محبة الله اللامتناهية. وكل من يؤمن بالمسيح له الحياة الأبدية. هذا هو إيمان الكنيسة. وهذا هو إيمان آبائنا القديسين الذين نكرّمهم، ومنهم مار ماما الذي عاش في القرن الثالث للمسيحية حيث كان المسيحيون يعانون الاضطهاد على يد الامبراطورية الرومانية. فلم يخافوا من جَورْ الحكّام، ولم يجحدوا بإيمانهم بالمسيح القائم من الموت والمنتصر على الخطيئة والظلم، بل شهدوا له حتى بذل ذواتهم.

كان مار ماما من عائلة مسيحية ملتزمة تربّى فيها على الفضائل والقيم المسيحية. قبض عليهما الحاكم وسجنهما. فولدته أمه في السجن وما لبثت أن ماتت. فأخذته امرأة مسيحية وربّته كما كان سيتربّى في عائلته على التقوى ومحبة الله والناس. لم يتعلّم القراءة والكتابة بل عُهد إليه منذ صغر سنّه برعاية الغنم. فكان وديعاً متواضعاً راضياً قنوعاً يقوم بعمله تمجيداً لله. وكانت وظيفته تحمله على التأمل بعظمة المخلوقات، وبخاصة في الليل إذ كان يرقب النجوم ويعلم أوقاتها ويمجّد خالقها. ولما علم بأمره الامبراطور أوريليانوس وتأكد من شدة تأثيره على الشبيبة في محيطه، استدعاه وطلب منه أن يجحد بإيمانه بالمسيح. لكنه رفض وأعلن أمام الجميع: المسيح هو حياتي، ولن أكفر به مهما أعطيتموني وأغريتموني بالإغراءات الدنيوية. فحكم عليه الامبراطور بالموت وكان بعمر خمس عشرة سنة، واستشهد سنة 275. وحُفظ جثمانه في مدينة قيصرية كابادوكيا وأصبح شفيعها المكرّم.

وفي ما نعيّد اليوم عيد مار ماما القديس الشهيد شفيع الشباب، نجد أنفسنا نعيش في لبنان وفي بلدان الشرق الأوسط في زمن الحروب العبثية والإرهاب والتطرف والتعصب. ونتساءل ما العمل ؟

فيطلب منا المسيح أن نشهد له على خطى آبائنا القديسين والشهداء الذين لم يرضوا يوماً بتغيير إيمانهم ومعتقداتهم، بل ظلوا ثابتين في إيمانهم وفي محبتهم لله ولبعضهم البعض وفي المغفرة لأعدائهم.

إخوتي الشباب والصبايا، أنتم تواجهون اليوم صعوبات جمّة وتحديات كبرى، وتتساءلون عن مستقبلكم في هذا الوطن، الوطن الرسالة في المحبة والمصالحة والانفتاح؛ وتقولون: أي مستقبل لنا في لبنان وفي دولة تتزعزع كل أركانها ونشعر فيها أننا مهمّشون ؟

هذا هو الوقت الذي فيه تثبتّون أنكم مؤمنون بالمسيح، وأنكم أقوى من الخوف والقلق على المصير، وأنكم تريدون أن تعيشوا بحرية وكرامة وترفضون أن يبيعكم أو يشتريكم أحد مهما عظُم نفوذه ومهما كثُر مالُه !

الإغراءات المادية كبيرة. لكن انتبهوا ! المال ليس كل شيء في الدنيا؛ فلا تَدَعوه يشتري ضمائركم ومناعتكم. والسلطة ليست كل شيء في الدنيا، بل هي مجد باطل وزائل. فلا تَدَعوا المراكز والكراسي تغريكم.

مار ماما شفيعكم يطلب منكم أن تعيشوا إيمانكم وتثبتوا فيه، وأن تحافظوا على القيم التي تربّيتم عليها، تلك القيم التي سمحت لأجدادنا بأن يصمدوا في هذا الأرض المقدسة ويتوحّدوا في كنيستهم وحول رعاتهم.

لا تخافوا مهما قست علينا الأيام. فيسوع المسيح هو وحده نوركم وطريقكم ومستقبلكم. لا تخافوا ! كنزكم الوحيد هو شهادة الحق ليسوع المسيح. لا تخافوا إذاً ! ثوروا على الظلم والكذب والفساد. أنتم المسؤولون عن بناء مستقبلكم. عيشوا ذاتكم ومصداقية إيمانكم وقيمكم ولا تساوموا عليها. توحّدوا وتعاضدوا في ثورتكم هذه فتصبحوا قوة محبة ومصالحة وسلام وقوة تغيير كبيرة في المجتمع الفاسد؛ والنجاح سيكون حليفكم في تأمين حياة حرّة وكريمة لكم ولأولادكم ولأحفادكم على خطى أسلافكم الأبطال والقديسين. آمين.

Photo Gallery