قداس ليلة عيد الصليب على جبل الصليب- اجدبرا 13-9-2015

 

عظة المطران منير خيرالله

في قداس ليلة عيد الصليب لرعايا قطاع الرحمة الإلهية (إجدبرا وعبرين وبجدرفل وكفيفان)

جبل الصليب في اجدبرا، الأحد 13/9/2015

 195

« إن حبة الحنطة إن لم تقع وتمت في الأرض تبقى مفردة وإن ماتت تأتي بثمار كثيرة» (يوحنا 12/24).

 

إخوتي أبونا يوحنا مارون وأبونا شربل خشان،

أحبائي جميعاً أبناء رعايا قطاع الرحمة الإلهية،

 

        نحتفل معاً بعيد ارتفاع الصليب، عيد يسوع المسيح ابن الله الذي ارتضى أن يموت على الصليب فداءً عن البشر. بموته على الصليب، قَلَبَ يسوع المسيح كل مقاييس البشر. فتحوّل عارُ الصليب إلى مجد ينتصر على الخطيئة والشر والموت. بموته على الصليب ارتفع يسوع إلى السماء ليرفع معه كل انسان. بموته على الصليب حوّل يسوع الموت إلى حياة فأصبح الصليب علامةً لحياتنا الجديدة نتعرّف من خلالها على هويتنا المسيحية. «الصليب هويتي»، إذ أصبح بعد موت المسيح نوراً للعالم كله يشعّ سلاماً ومحبة ومسامحة وغفران.

قال لنا المسيح: «من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه وليحمل صليبه ويتبعني». فإذا أردنا أن نكون تلاميذ المسيح ورسلاً وشهوداً له، علينا أن نتبع الطريق التي سلكها قبلنا ليكون قدوةً ومثالاً لنا يدلّنا على الخلاص والحياة الأبدية. علينا إذاً أن نكفر بذاتنا وبالعالم الذي نعيش فيه ومغرياته وأحكامه وماله وممتلكاته. أن نتجرّد عنها ونزهد فيها لكي نتبنّى المسيح وطريقة عيشه في حياتنا اليومية، فنستحق أن نكون تلاميذ له. علينا أن نتواضع ونتنازل من علياء كبريائنا. ولماذا نتكّبر؟ إذا كان ابن الله هو نفسه تخلى عن ذاته الإلهية وتواضع وتنازل عنها وحمل بشريتنا الضعيفة! فكم بالحريّ نحن!

أن نحمل الصليب يعني أن نقبل الحزن والألم والمعاناة بفرح ورجاء، وأن نواجه تحديات هذا العالم بإيمان ثابت، لأن الصليب يحوّلنا إلى مؤمنين، شهوداً للمسيح. هل نرضى بذلك ؟ أجدادنا وآباؤنا الذين عاشوا على هذه الأرض المقدسة اختاروا روحانيةً نسكية على مثال أبينا مار مارون الذي من على قمة جبل قورش تجرد وزهد في العالم واقتبل أن يحمل الصليب مع المسيح؛ فعاش قربه من الله؛ تماماً كما كان المسيح في ارتفاعه على الصليب قريباً من الله الآب وبعيداً عن العالم وكل ما فيه. فالمسيح المعلّق على الصليب هو الوسيط الوحيد لنا نحن البشر الذي يرفعنا إلى الله الآب الخالق. هكذا عاش أجدادنا وآباؤنا الروحانية النسكية، روحانية الصليب، إذ كانوا يمارسون الصلاة والتقشف والزهد والعمل في الأرض التي ارتبطوا فيها ارتباطاً وثيقاً. وكانوا، كصليب المسيح، وهم يعملون في الأرض، يتطلعون دوماً إلى السماء. لذا أرادوا أن يبقى الصليب مرتفعاً على قمم جبالنا لكي يكون نوراً لعالمنا وعلامةً فارقة للمحبة التي تبذل ذاتها في سبيل الآخرين.

نحن اليوم مدعوون من على قمة هذا الجبل الذي تعوّدنا أن نجتمع فيه منذ سنوات والذي سيرتفع فيه قريباً جداً صليبٌ كبير يكون علامةً لانتصارنا على الشرّ والخطيئة والموت، وعلامةً لمحبتنا بعضنا لبعض ولمحبتنا لجميع البشر، وحتى لأعدائنا، مدعوون إلى أن نعلن بإيمان ورجاء أننا «لانعرف المسيح إلا مصلوباً» وأننا بصليب المسيح ننتصر. وهذا الصليب سيكون علامةً للسلام الذي نريد أن ننشره في مجتمعاتنا وبلداننا في الشرق الأوسط التي تواجه الحروب العبثية والحقد والبغض والتطرف والتعصب. نحن نؤمن أننا سننتصر بصليب المسيح مهما تطلّب ذلك من تضحيات وشهادة استشهاد. نؤمن أن الصليب سيبقى مرتفعاً على قمم جبالنا. ومن هذا الصليب نستمد قوة إيماننا وجرأتنا على قول الحق وعلى مواجهة كل التحديات. نؤمن أننا سنبقى شهود المسيح على أرض المسيح وأن صلباننا ستبقى هوّيتنا وعلامة حضورنا في العالم بالمحبة والمصالحة والسلام وخدمة الإنسان، كل إنسان.

لا تخافوا إذاً! فالمسيح الذي حوّل كل شيء في حياة البشر، سيحوّل حياتنا نحن من تعاسة وبغض وحقد وأزمات إقتصادية وإجتماعية وأخلاقية إلى تقارب ومصالحة وعيشٍ كريم في الاحترام المتبادل. سيجعل منّا رسل محبة وصانعي سلام في وطننا لبنان، الوطن الرسالة، وفي سائر أوطاننا في الشرق الأوسط. وسيدعونا إلى أن نتشبّه به فنكون مثل حبة الحنطة التي تموت في هذه الأرض المقدسة لتعطي ثماراً في المحبة والمغفرة والسلام. آمين.     

Photo Gallery