ذكرى تطوييب القديسة رفقا ومسيرة الاستقلال السبت 21-11-2015

 

        

عظة المطران منير خيرالله

في قداس ذكرى تطويب القديسة رفقا وعيد الإستقلال- مسيرة الأخويات

السبت 21/11/2015، دير مار يوسف- جربتا

201 

« هكذا أحبّ الله العالم، حتى إنه إنه جاد بابنه الوحيد» (يوحنا 3/16)

 

صاحب السيادة المطران بولس آميل،

إخوتي الكهنة والمرشدين،

الأم الرئيسة، وأخواتي الراهبات،

أحبائي جميعاً المشاركين معنا في الصلاة.

 

        مناسبات عديدة تجمعنا اليوم في ختام مسيرة الصلاة هذه التي تعوّدنا أن نمشيها منذ أكثر من ثلاثين سنة:

1-  مناسبة السنة الثلاثين على إعلان تطويب الراهبة رفقا في 17 تشرين الثاني 1985،

2-  مناسبة عيد إستقلال وطننا لبنان،

3-  ونحن على أبواب افتتاح سنة الرحمة التي أعلنها قداسة البابا فرنسيس،

4-  وفي أجواء السنة الثالثة من مسيرة المجمع الأبرشي الذي أردناه مجمع التجدّد والسير نحو القداسة بعنوان: « على خطى مار يوحنا مارون نتجدّد ونتقدس بالمسيح».

وما يجمع بين كل هذه المناسبات هو محبة الله المطلقة والمجانية ورحمته اللامتناهية لنا ولجميع البشر.

الله هو الذي أحبّنا، يقول يوحنا الرسول في رسالته الأولى: « الله محبة... لسنا نحن أحببنا الله، بل هو أحبنا، فأرسل ابنه كفارة عن خطايانا» (1 يو 4/10). الله هو المبادر، يأخذ دوماً المبادرة ليلاقي الإنسان ويُظهر له محبته.

منذ البدء، خلق الله الإنسان من فيض حبّه، على صورته كمثاله، ليعيش الحب، فقط الحب المجاني والمعطاء. الانسان سقط في الخطيئة واعتبر أنه يستطيع أن يكون الله ! لكن الله عامله بمحبته ورحمته وعاد وأحبّه ووعده بالخلاص.

وفي ملء الزمن، أظهر له محبته للغاية لدرجة أنه أرسل ابنه الوحيد يسوع المسيح ليفتدي الإنسان موتاً على الصليب. كما يقول يسوع لنيقوديمس: « هكذا أحبّ الله العالم حتى إنه جاد بابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكونُ له حياة أبدية» (يوحنا 3/16).

النعمة هي أن نعرف ونكتشف أننا محبوبون من الله. ومن يشعر أنه محبوب يتخلّى عن كل شيء في هذه الدنيا في سبيل من يحبّه. ويعيش هذا الحب في ملء الفرح.

القديسة رفقا اكتشفت أنها محبوبة من الله. فعاشت حبها له حتى النهاية. كرّست حياتها لعيش هذا الحب: أولاً في رسالة التعليم والتربية في جمعية المريمات التي أصبحت في ما بعد جمعية القلبين الأقدسين. فكانت رسالتها مهمة للغاية لأنها حملتها بظروف مرّت على لبنان حيث كانت الحروب والمجازر بحق الموارنة القاطنين في الجبل على يد اخوتهم الدروز سنة 1840-1861. فكانت تعيش مع شعبها وتحمل الصليب وتصلي. ثانياً في رسالة الحياة النسكية عند الراهبات اللبنانيات، حيث صارت كلها للمسيح. فطلبت منه أن تشاركه آلامه في دير مار سمعان القرن سنة 1885 حيث سلّمت ذاتها ليسوع. فحملت الصليب بفرح لأنها علمت أن يسوع يحبها وحملته برجاء لأنها آمنت بأنها ستلتقيه في الحياة الأبدية. وأكملت حَمْلَ صليبها في هذا الدير مار يوسف جربتا، الذي عملت مع أخوات لها على تأسيسه وجعلت منه منارة حياةٍ نسكية وتقشف ومنارة قداسة، ليس فقط لأبرشيتنا البترونية بل لكل لبنان والعالم. مما أدى إلى إعلان قداستها في الكنيسة سنة 2001.

الأمثولة التي نتخذها اليوم من القديسة رفقا في ظل الظروف الراهنة، هي أن نكتشف محبة الله لنا. وإذا اكتشفنا هذا الحب لا نعود نفتش عن أي شيء آخر في هذه الدنيا. كل التضحيات والجهود وكل الشهادات تصبح رخيصة في سبيل من نحب ومن يحبّنا، يسوع المسيح. هذه هي الأمثولة الكبيرة لنا نحن كأساقفة وكهنة ورهبان وراهبات وأخويات وأمهات وأباء، نحن كمؤمنين ومؤمنات.

وإذا كنا اليوم نحتفل بليلة عيد استقلال لبنان، هذا الوطن الذي صلّت له القديسة رفقا كما صلى القديس شربل والقديس نعمة الله، والثلاثة عاشوا أحداث 1840-1861، فهذه علامة من علامات الأزمنة، العلامات التي يرسلها الله لنا في حياتنا لنقرأ إرادته ونكتشف حبّه. إنها علامة من علامات الأزمنة أن نقف هنا اليوم في هذا المكان المقدس لنحتفل معاً بعيد استقلال لبنان، على مسافة خمس سنوات من الاحتفال بالمئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير بفضل جهود البطريرك الكبير الياس الحويك، ابن منطقتنا، ابن حلتا.

أن نقف اليوم هنا فيما وطننا لبنان يترنّح في صيغته وكيانه متأثراً بالحروب والأزمات التي مرّ بها منذ أربعين سنة بالتمام وبالحروب القاتلة والمدمِّرة التي تدور من حوله مسبِّبة تحوّلات جذرية تنذر بقيام شرق أوسط جديد ! إنها من علامات الأزمنة.

إننا هنا لنصلّي ونجدّد إيماننا بالله وبالوطن الذي أراده البطريرك الحويك باسم جميع اللبنانيين مسيحيين ومسلمين، الذين انتدبوه لكي يتوجه إلى باريس ويشارك في مفاوضات مؤتمر السلام ويحصل على إعلان دولة لبنان الكبير سنة 1920. ولبنان الذي أراده البطريرك الحويك وطناً رسالة وشهادة في العيش الواحد المشترك بين جميع أبنائه مسيحيين ومسلمين بكل انتماءاتهم الطائفية والسياسية والاجتماعية والثقافية ونموذجاً في الحرية والكرامة واحترام التعددية، هو وطن يليق بالانسان.

وإذا كانت أبرشيتنا البترونية تعيش اليوم خبرة مجمع أبرشي تحت شعار « على خطى مار يوحنا مارون نتجدّد ونتقدّس بالمسيح»، وتسير نحو التجدّد في روحانيتها وأشخاصها ومؤسساتها، فهذا ليس صدفة. إنها أيضاً علامة من علامات الأزمنة أراد الله أن يدعونا من خلالها إلى أن نتقدس على مثال نساكنا وآبائنا القديسين، ومنهم القديسة رفقا، وإلى أن نصلي إليه بحرارة كي يُنعم علينا بشفاعتهم بقديسين جدد. وبالأمان والطمأنينة والسلام في وطن الإنسان لبنان. آمين.

Photo Gallery