احتفال افتتاح سنة الرحمة في كاتدرائية مار اسطفان- البترون 12-12-2015

 

الوكالة الوطنية – لميا شديد

احتفال افتتاح سنة الرحمة

السبت 12/12/2015، كاتدرائية مار اسطفن البترون ـ مصوّر

 204

افتتح راعي أبرشية البترون المارونية المطران منير خيرالله سنة الرحمة في الأبرشية

خلال قداس احتفالي ترأسه في كاتدرائية مار اسطفان- البترون وشارك فيه المطران بولس إميل سعاده، النائب العام في الأبرشية المونسنيور بطرس خليل والقيم الأبرشي الخوري بيار صعب ولفيف من كهنة الأبرشية ورؤساء الأديار والآباء في حضور الرئيسة العامة لجمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات الأم ماري أنطوانيت سعاده، راهبات، رؤساء وممثلي جمعيات وحركات رسولية ووفود من أبناء رعايا الأبرشية.

 

 

عظة المطران منير خيرالله

في قداس افتتاح سنة الرحمة في الأبرشية

السبت 12/12/2015، في كاتدرائية مار اسطفان- البترون

 

« كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم» (لوقا 6/36).

 

صاحب السيادة المطران بولس آميل سعاده السامي الاحترام،

أحبائي أبناء وبنات أبرشية البترون، كهنةً ورهباناً وراهبات وعلمانيين ملتزمين ببناء كنيسة المسيح.

 

نفتتح اليوم معاً، في هذه الكاتدارئية، السنة اليوبيلية الاستثنائية التي أعلنها قداسة البابا فرنسيس « سنة الرحمة»، بعنوان: « كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم».

يعتبر قداسة البابا كلمات يسوع في إنجيل لوقا « كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم» مفتاحاً لسنة الرحمة، منها ندخل باب البيت الأبوي المفتوح دوماً لاستقبالنا.

فالرحمة السماوية لا تكتفي بأن تعامِلَ بالمثل. يقول يسوع:

« إن تحبّوا الذين يحبونكم، فأيُّ فضلٍ لكم ؟ وإن تُحسنوا إلى الذين يُحسنون إليكم، فأي فضل لكم؟ وإن تُقرضوا الذين تأملون أن تستوفوا منهم، فأي فضل لكم ؟ ... ولكن أحبّوا أعداءكم، وأحسنوا وأقرضوا دون أن تأملوا استيفاء قرْضكم، فيكونَ أجرُكم عظيماً في السماء، وتكونوا أبناء الله العليّ» (لوقا 6/32-36).

نعم مفتاح سنة الرحمة هو رحمة الله الآب التي أعطيت لنا مجاناً وتجلّت في يسوع المسيح الابن، وهي رحمة لا متناهية ومحبة لا محدودة.

الرسالة التي تلقّاها يسوع من الآب هي أن يكشف سرّ الحبّ الإلهي في ملئه. كشف لنا أن الله أبٌ محبٌّ ورحيم وأننا محبوبون منه مجاناً وبدون مقابل، فعاش بين الناس هذه الرحمة وأظهرها في حياته كلها، في كلماته وأفعاله وتصرّفاته. كشف لنا أن الله محبة، وأن هذا الحبّ أصبح مرئياً وملموساً في حياته بين البشر. فشخصه هو حبّ يعطي ذاته بمجانية. والآيات التي صنعها، لا سيما تجاه الخطأة والمساكين والمهمّشين والمرضى والمتألمين، كلها مطبوعة بالرحمة، وكل شيء فيه يعبّر عن الرحمة التي كانت تحرّك قلبه وحواسّه في كل مناسبة.

وكما أن المسيح هو وجه رحمة الآب، فكذلك هو يطلب منا أن نعيش هذه الرحمة ونعكس في كلماتنا وأفعالنا وتصرّفاتنا وجهه المحبّ والرحيم.

إنها المحبة التي لا تبغي شيئاً بالمقابل، والرحمة التي لا تتعامل بالمثل ولا تنتظر المكافأة. فرحمة الله تحرّرنا وتعطينا ذاك السلام الذي لا نجده في العالم - « سلامي أعطيكم، لا كما يعطيه العالم» - وتجعلنا مسيحيين ملتزمين بإيماننا. ليست الرحمة كلمةً أو موضوعاً لاهوتياً، بل هي حقيقة معاشة تغيّر حياتنا على الصعيدين الروحي والإنساني إذا أردنا عيشها.

إنه التحدي الذي ينتظرنا، عيش الرحمة في سنة الرحمة، لنكون أبناء أبينا السماوي الذي « يُطلع شمسه على الأشرار والأخيار ويمطر غيثه على الأبرار والفجّار» (متى 5/45)، والذي ينتظر عودة ابنه الضال ويخرج للقاء ابنه الأكبر فيرحم ويغفر. وهذا مُكلفٌ لأنه مجانيّ وبدون مقابل. هل نقبل هذا التحدّي ؟

 

ولكن لماذا يعلن قداسة البابا فرنسيس سنة كاملة للرحمة ؟

لأنه يعتبرها زمناً للارتداد والتوبة وفرصةً لبناء كنيسة المسيح المتجدّدة أبداً.

سنة الرحمة هي مناسبة لفحص الضمير ولتقييم وتصحيح مسارنا. هي مناسبة فريدة لنا ولكل واحد منا كي يقوم بتفكير عميق حول ممارسة الرحمة تشبُّهاً بيسوع المسيح، لكي نستفيد من رحمة الله في سبيل أن نتوب ونتجدّد ونتقدس، وهذا هو هدف مجمعنا الأبرشي ونحن في السنة الثالثة والأخيرة منه. نتجدّدُ روحياً في علاقتنا مع الله، واجتماعياً وإنسانياً في علاقتنا مع بعضنا البعض، ونجدّد مؤسساتنا وعملَنا الرعوي في سبيل التزام رسولي مشترك وفعّال في خدمة كنيستنا البترونية لكي تكون أكثر رحمةً ولكي نصبح نحن أيضاً علاماتٍ حسّيّة لتلك الرحمة التي يعاملنا بها الله الآب.

وكنيستنا تحقق دعوتها إلى القداسة عندما تشهد للرحمة وتعيشها كعلامةٍ لمصداقية رسالتها، التي هي أن تحيا الرحمة بالقول والفعل لتلمس قلوبَ الأشخاص وتحثَّهم على إيجاد طريق العودة إلى الآب.

حياةُ يسوع وأعمالُه وكلماته ومواقفه تضعنا اليوم أمام مسؤولياتنا في عيش الشهادة عبر المحبة والرحمة والمغفرة، ليس فقط في السنة اليوبيلية، بل في كل يوم من حياتنا، لنكون تلاميذ وشهوداً للمسيح المحبّ والرحيم والغفور.

 

أما الباب المقدس الذي يعبره المؤمنون في السنة اليوبيلية فيرمز إلى باب الرحمة الذي يُفتح أمام كل إنسان؛ وكلُّ من يدخلُ منه يستطيع أن يختبر محبة الله الذي يعزّي ويغفر ويعطي الرجاء، وأن يشعر أنه مشمول بالرحمة ومحبوب للغاية.

وحياتنا على هذه الأرض هي مسيرة حجّ نحو البيت الأبوي في السماء. فمهما خطئنا وضعفنا، نعرف أن أبانا ينتظرنا ليغفر لنا ويعاملنا برحمته اللامتناهية، لأنه أب رحيم ومحبّ. والحج المقدس يرتبط بالتوبة: عندما نعبر الباب المقدس نترك رحمةَ الله تعانقنا ونلتزم بأن نكون نحن بدورنا رحماء.

وسنحتفل بافتتاح سنة الرحمة في مزارات القديسين في أبرشيتنا - دير مار يوحنا مارون كفرحي، ودير مار قبريانوس ويوستينا كفيفان، ودير مار يوسف جربتا – لكي نفتح الأبواب أمام المؤمنين الوافدين من رعايا الأبرشية ومن خارجها ليدخلوا بالتوبة باب الرحمة إلى بيت الآب وليتباركوا من ذخائر القديسين ويلبّوا دعوتهم إلى القداسة بالمسيح يسوع.

في يوبيل سنة الرحمة، نحن مدعوون إلى أن نكل مسيرة الكنيسة والبشرية بأسرها والكون كله إلى الله الآب الذي يعاملنا بالرحمة بابنه يسوع المسيح وبنعمة روحه القدس. وكم نودّ أن يثمر اليوبيل في كل واحد منا زمناً مشبعاً بالرحمة والمحبة يدفعنا إلى اعتبار كل إنسان أخاً للمسيح فنلاقيه ونقدّم له طيبة الله وحنانه. آمين.

Photo Gallery