عظة المطران خيرالله في قداس عيد مار اسطفان- البترون في 27-12-2015

 

عظة المطران منير خيرالله

في قداس عيد مار اسطفان

الأحد 27/12/2015، كاتدرائية مار اسطفان- البترون

 206

« يا ربّ، لا تحسب عليهم هذه الخطيئة» (أعمال 7/60)

 

إخوتي أبونا بيار وابونا فرنسوا،

أحبائي أبناء وبنات البترون وأصدقاءنا.

 

نحتفل اليوم معكم بعيد شفيعنا مار اسطفان الذي كان شماس الكنيسة وشهيدها الأول باسم المسيح. ونقف متأملين في حياة مار اسطفان لنتخذ منها أمثولة لحياتنا اليوم.

اختير اسطفانوس شماساً في الكنيسة على يد « الرسل الاثني عشر وجماعة التلاميذ» « لخدمة الأرامل وتوزيع الأرزاق اليومية»، وذلك لأنه كان « رجلاً ممتلئاً من الإيمان والروح القدس». وراح يقوم بخدمته بصدق وإخلاص وتفانٍ ويعلّم بحكمة، « وكان يأتي عجائب وآيات مبينة في الشعب»، كما نقرأ في كتاب أعمال الرسل (6/1-8).

ولم يستطع بعض اليهود وعظماء الكهنة والرؤساء أن يجادلوه « لما في كلامه من الحكمة والروح»، فوَشَوْا به زوراً وأحضروه أمام المجلس ثم حكموا عليه بالرجم، بعد أن « استشاطت قلوبهم غضباً». فكان أقوى من مضطهديه وراجميه وراح « يدعو ويقول: ربّي يسوع، تقبّل روحي. ثم جثا وصاح بأعلى صوته: يا ربّ لا تحسب عليهم هذه الخطيئة» (أعمال 7/54-60). وأسلم الروح مطمئناً إلى مصيره مع المسيح الذي نقله إليه، كما وعد كل مؤمنٍ به، لينعم بمجد القيامة ويدخل الملكوت. إنها قوة المغفرة، والمغفرة هي نتيجة المحبة. وكما أن السيد المسيح أحبّ صالبيه وغفر لهم، كذلك اسطفانوس، أول شهيد في الكنيسة، تشبّه بالمسيح وغفر لراجميه.

لماذا غفر المسيح ولماذا غفر اسطفانوس؟ هل هي علامة ضعف ؟ وهل إن الضعيف هو الذي يغفر أم القوي؟ المسيح هو القوي وهو الأقوى. هو الذي ارتضى أن يصير إنساناً، ونحن اليوم في زمن الميلاد، وأن يتبنّى الانسانية الضعيفة، المستضعفة، الفقيرة، المنبوذة، المظلومة، الحقيرة والمحرومة من حقوقها؛ ولد فيها لكي يرفعها الى مستوى الالوهة. ولد المسيح إنساناً لكي يؤلّه الانسان ويرفعه الى مستوى الألوهة؛ وهذا هو سر الحبّ المطلق، حبّ الله لنا جميعاً بابنه يسوع المسيح. وفيما كان يسوع يموت على الصليب ويقدم ذاته فداء عن البشرية كلها، كان قادراً على أن يغفر لصالبيه، وكان قادراً أن يقول للص اليمين: « اليوم ستكون معي في الملكوت». (لوقا 23/43).

التحدي الذي ينتظرنا اليوم نحن جميعاً هو أن نكون متأكدين أن المؤمن هو قوي، وأن القوي بإيمانه بالمسيح هو أقوى من مضطهديه. لذلك نرى أن شاوول، الذي كان شاهداً على رجم اسطفانوس، تأثر باستشهاده وبقوة إيمانه وبقدرته على المغفرة، فارتدّ الى المسيح، ارتد من أشرس مضطهِدٍ لأتباع المسيح الى أشهر معلنٍ لبشارة الخلاص بالمسيح يسوع. اسطفانوس كان أقوى من شاوول، فتحوّل شاوول الى بولس، رسول الامم باسم المسيح، وباسم المحبة والمغفرة.

الأمثولة التي نتخذها لنا اليوم هي قوة المغفرة، فيما نعيش عواقب الحروب التي تجري من حولنا بعد ان امتدت على مدى أربعين سنة في لبنان بين 1975 و2015. وانتقلت هذه الحرب الهوجاء، حرب التعصب والتطرف، الى جوارنا وراحت شعوب هذه البلدان تدفع الثمن الغالي، ثمن التعصب والتطرف الاعمى، ثمن الوحشية. فاضطُهدت شعوبٌ كثيرة، ومنها اخوتنا المسيحيون، في العراق وسوريا وفلسطين الذين دفعوا الثمن بحياتهم وتهجيرهم الى لبنان والاردن وتركيا، وهم يدقّون اليوم أبواب أوروبا ليطرحوا على العالم القضية الكبرى، قضية اللجوء والنزوح والهجرة والغربة، قضية الظلم والاضطهاد. لكن أحداً منهم لم يخف من مضطهديه. فهل نخاف نحن؟ لا ! نحن أقوياء بالمسيح، أقوياء بإيمان شفيعنا مار اسطفان. نحن أقوياء بثباتنا بإيمان آبائنا وأجدادنا، بإيمان كنيستنا التي حملت رسالة المحبة والمغفرة والانفتاح على العالم كله. هل نخاف نحن اليوم؟ كلا ! نحن أقوى من مضطهدينا. هل نؤمن بذلك؟ نعم! لا تخافوا إذاً. إنها مناسبة لنا جميعا كي نجدد ايماننا بالمسيح يسوع الذي وُلد إنساناً من أجلنا ومن أجل كل النازحين واللاجئين والمظلومين في العالم. هو الذي رُفع على الصَليب ومات عليه من أجلنا جميعاً ليفتدينا ويخلّصنا. نحن أقوياء به لأننا معه قادرون على المغفرة، ومعه ننعم بمجد القيامة والملكوت. نحن أصبحنا بالمسيح يسوع أبناء القيامة ولسنا أبناء الموت، ولم نعد مستعبدين للخطيئة. كل واحد منا هو انسان جديد. وشهادة اسطفانوس تعطينا اليوم القوة على أن نشهد بالمحبة في وجه مضطهدينا ومضطهدي الانسانية؛ في وجه من يحمل السيف باسم الدين وباسم الله، والدين منهم براء. إننا نقول لهم: نحن براء منكم؛ نحن المنتصرون وأنتم ستموتون بخطاياكم؛ ونحن للحياة مصيرنا.

لا تخافوا ! هذا هو إيماننا وهذا هو رجاؤنا، نعلنه للعالم كله ولكل إخوتنا الذين يعيشون معنا في لبنان، مسيحيين ومسلمين، ولإخوتنا الذين يعيشون الحروب في بلدان الشرق الاوسط، ولكل شعوب العالم؛ ونقول مع المسيح لحكام العالم الذين لا يفتشون الا على مصالحهم: « أيها الحيّات أولاد الأفاعي كيف تهربون من عقاب جهنم ؟» (متى 23/33). نحن أقوى منكم أيها الحكام؛ أقوى بإيماننا وبمحبتنا لكم وبمغفرتنا لكم؛ نحن قادرون على القول مع شفيعنا مار اسطفان: « يا ربّ لا تحسب عليهم هذه الخطيئة». آمين

Photo Gallery