عظة المطران منير خيرالله
في قداس الشعانين
الأحد 20/3/2016، سيدة الانتقال تنورين
« لو سكت هؤلاء لهتفت الحجارة »
إخوتي الكهنة: أبونا بيار (طانيوس) وأبونا جاك (نقولا) وابونا ريمون (باسيل)،
أحبائي أبناء تنورين.
نحتفل اليوم بأحد الشعانين، أحد دخول المسيح إلى أورشليم بالمجد والانتصار. لهذا السبب خرج الناس حاملين أغصان النخل التي هي علامة النصر تماماً كما يستقبلون كل ملكٍ، ملكٍ بشري. وأغصان الزيتون التي هي علامة السلام، حملوها في استقبال ملك السلام. طبعاً كلهم هتفوا عند دخول المسيح إلى أورشليم، الأطفال والكبار والصغار: « هوشعنا مبارك الآتي باسم الرب»! لكن ما لم يفهمه الناس هو أن يسوع ليس ملكاً بشرياً مثل كل ملوك الأرض، لم يدخل إلى أوشليم فاتحاً، لم يدخل بهدف الانتصار على الرومان المحتلين، ولم يدخل ليشنّ حرباً ويحرّر بلداً. يسوع ليس ملكاً بشرياً، بل هو ملك السلام، ملك إلهي إذ دخل بمنطق آخر. لكن الناس لم يفهموا؛ حتى تلاميذه والرسل لم يفهموا هذا المعنى. وظلوا منتظرين وصول ملك لكي يحرّرهم ويحرّر أرضهم وشعبهم ويصنع مملكة لاسرائيل. وأكثر من ذلك، بعد هتاف الأطفال ومن معهم من الناس بصوت واحد: « هوشعنا، مبارك الآتي باسم الرب»، جاء رؤساء الكهنة والفريسيون يطلبون إسكات الأطفال والتلاميذ. فكان جواب يسوع لهم: لو سكت هؤلاء لهتفت الحجارة، لنطقت الأرض كلها بمجد الملك السماوي، ملك السلام الآتي باسم الرب، الآتي ليخلص البشر. والهتاف الذي أطلقه الناس « بهوشعنا» هو هتاف للمخلص. لكن لم يدركوا أهميته ولم يفهموه. أما رسله وتلاميذه فقد فهموا ذلك بعد قيامته وبعد تمجيده فهموا هذا السر، سر الله الذي صار إنساناً وارتضى أن يدخل في أحد الشعانين، أحد المجد، ثم في أسبوع آلامه ومسيرة الجلجلة حتى يصل إلى الموت على الصليب في سبيل كل البشر وإلى القيامة ليعطي الحياة الأبدية للجميع. هذا هو سر الله، الله الذي يقبل الموت على الصليب، الملك الذي يفتدي بذاته شعبه. هذه سابقة في تاريخ البشر، وهذا هو الجديد الذي أراد يسوع إدخاله في حياة شعبه وفي قلوبنا وفي قلوب كل البشر.
نحن اليوم، وفيما نحتفل معاً بأحد الشعانين مع أطفالنا في هذه الرعية المباركة في تنورين على قمة هذا الجبل من أرضنا المقدسة، نتساءل إن كنا نفهم ونعرف أهمية ومعنى دخول المسيح ونستقبله بمنطق البشر أم بالمنطق الإلهي. نحن لا ننتظر ملكاً بشرياً يخلصنا ويجري الفتوحات الكبيرة ليحل السلام. نحن نؤمن أن المسيح ابن الله يدخل اليوم بالمجد في قلوبنا وفي شعبنا وأطفالنا وعائلاتنا وعلى أرضنا. يدخل كمخلص إلهي سيفتدينا بموته وقيامته. هذا هو الإيمان الذي أعلنه آباؤنا وأجدادنا على مدى مئات السنوات، وهو الإيمان الذي أعلنه أطفالنا وشبيبتنا وكبارنا. ونحن اليوم نعلن هذا الإيمان. نستقبل المسيح بالفرح والمجد فنعرف أننا ابتداء من هذه الليلة نحن سنسير معه مسيرة الجلجلة وحمل الصليب حتى الموت، حتى القيامة. نحن نؤمن أن المسيح مات وقام من أجلنا جميعاً، من أجلنا نحن المسيحيين واللبنانيين، من أجلنا قام وأعطانا الحياة.
هذا هو إيماننا، وكما أعلنه آباؤنا وأجدادنا سنعلنه نحن أيضاً، وسنعيش مرفوعي الرأس بحرية وكرامة لنبقى نعلن هذا الإيمان. وإن سكتنا نحن عن إعلان هذا الإيمان، فكل حبة تراب من أرضنا سوف تعلن موت وقيامة المسيح، لأن هذه الأرض مقدسة، قدّسها المسيح وتقدّس فيها جميع الذين سبقونا إلى مجد القيامة.
لا تخافوا إذاً ! نحن أقوياء، أقوياء بإيماننا بالمسيح، أقوياء بإيمان كنيستنا وبإيمان شعبنا وبإيمان أطفالنا. لا تخافوا ! سنبقى نعلن هذا الإيمان إلى الأبد، إلى ما شاء الرب الحاضر معنا، إلى دهر الدهور. آمين.