عظة المطران منير خيرالله
في قداس خلوة الكهنة
الدير الأم لجمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات، عبرين، الاثنين 2/5/2016
حضرة الأب العام مالك بو طانوس،
حضرة الرئيسة العامة الأم ماري انطوانيت سعاده،
أخواتي الراهبات، إخوتي الكهنة.
بدعوة من حضرة الرئيسة العامة لجمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات، تلتقون اليوم، إخوتي الكهنة، أنتم الذين تتعاونون مع الراهبات في مؤسسات الجمعية في كل لبنان، في لقاء خلوة وصلاة.
وها نحن الآن نكلّل لقاءكم بذبيحة الشكر لله، الآب والابن والروح القدس، على عطاياه ومواهبه التي يوزعها علينا مجاناً وبرحمته اللامتناهية.
نقف الآن أمام رهبة سرّ الأسرار، في حضرة الذبيح والذبيحة بالمطلق، في حضرة القربان والمقرِّب، يسوع المسيح، الله الإبن، الذي ارتضى أن يتجسّد إنساناً وأن يحمل خطايا البشر ويموت ليفتديهم بذبيحة الصليب ويُظهر لهم محبة الله الآب.
نحن أمام الإفخارستيا، ذبيحة الشكر، التي منها « وُلدنا، نحن الكهنة، وصُوِّرنا بمسحة الروح القدس على شبه كيان المسيح الكاهن» (البطريرك مار بشاره بطرس الراعي في رسالته الكهنوتية الرابعة، 2/4/2015، ص 6)، الذي « جاء ليَخدم لا ليُخدم (لوقا 22/27). وأُقمنا في الكهنوت لخدمة شعبه في التعليم والتقديس والتدبير.
فنحن مؤتمنون، كما يقول المجمع البطريركي الماروني، « على قداستنا وقداسة أبناء رعايانا، نحن الذين وقفنا حياتنا لخدمة الأقداس للقديسين. فما أحرانا أن ننهل من قداسة من هو نبع القداسة الذي اصطفانا ودعانا وكرّسنا لخدمة شعبه بالكمال والنقاوة والقداسة» (النص 7، العدد 8).
رسالتنا إذاً هي أولاً وآخراً أن نخدم ونبذل ذواتنا في سبيل شعب الله الذي أوكلَ إلينا، على مثال يسوع المسيح الكاهن الأوحد والراعي الصالح.
وشهادة حياتنا في الخدمة هي التي تعطينا مصداقية أمام شعبنا وتجذب دعوات من شبابنا للخدمة في الكهنوت.
يعطينا قداسة البابا فرنسيس ثلاث وسائل تجعل من شهادتنا الكهنوتية قدوة ونموذجاً.
- أولاً: أن يكون يسوع هو مركز حياتنا الأساس. وهذا يعني أن لا نتلهّى بأمور هذه الدنيا، ولا بالثرثرة، ولا بالسعي وراء المراكز أو للحصول على المال.
نحن كهنة نؤلّف جسماً كهنوتياً واحداً حول الأسقف. هل نستطيع أن نعيش الأخوّة في ما بيننا؟ الحياة الجماعية ليست سهلة، كما في الزواج وكما في العائلة. الشيطان يجرّبنا بروح الحسد والصراعات الداخلية والنميمة والثرثرة. وبخاصة الثرثرة على بعضنا، يسمّيها البابا فرنسيس إرهاب الثرثرة. لأن من يعطي العنان للثرثرة يكون إرهابياً يلقي القنبلة ويدمّر في ما هو بعيد وخارج اللعبة.
بينما الجرأة تتطلّب أن نقول ما عندنا وجهاً لوجه.
- ثانياً: أن نعيش بروح الفقر. صحيح أننا نحن الكهنة الأبرشيين لا نعلن نذر الفقر كما الرهبان، ولكننا ملزمون بعيش روح الفقر، وهي عكس روح المتاجرة والأعمال. يوصينا المجمع البطريركي الماروني بأن « نتمسك بعيش الفقر، لا احتقاراً ونبذاً للخيرات المادية، بل استعمالاً حُرّاً لها وزهداً بها. فنعتنق حياة بسيطة تكون بعيدة عن مظاهر الترف وتؤدي شهادة للمسيح، الذي افتقر وهو الغنيّ، وتخصيص جزء من مدخولنا الشخصي لمساعدة المحتاجين» (النص السابع، توصية 2).
- ثالثاً: أن نقوم بأعمال الرحمة.
يقول البابا فرنسيس: لقد نسينا نحن الإكليروس أعمال الرحمة. إنها قمة الأنانية. نفكر بذاتنا وبأمورنا وننسى الضعفاء والفقراء والمرضى والمحتاجين إلى مساعدة، الذين هم في أولوية خدمتنا، كما كانوا أولوية في خدمة يسوع المسيح الخلاصية. تعالوا نخرج من ذاتنا ومن انجرارنا نحو روح العالم، ونتطلّع إلى من هم حولنا، إلى الذين يطلبون محبتنا ومساعدتنا من جهة، وإلى الذين يقومون بأعمال رحمة مجانية ويقدمون نفوسهم للخدمة ويضحّون بصمت، وهم كُثُر، من جهة ثانية.
وفي الخلاصة، يعطينا قداسة البابا فرنسيس توصيات ثلاثة لفحص الضمير وتجديد الالتزام:
- الصلاة والسجود. هل نصلَّي ؟ هل نسجد لله ونمجّده ونشكره كل حين ؟
- محبة الكنيسة. هل نستطيع أن نحبّ يسوع من دون أن نحبّ عروسه الكنيسة ؟
- النشاط الرسولي والحماسة للرسالة. هل حبُّنا للكنيسة يجعلنا نتحمّس لنعرّف عنها الأقربين والأبعدين ونبشرّ بيسوع المسيح وبسرّ الخلاص ؟
فالكنيسة ليست منظمة غير حكومية، انها عروس المسيح تحمل الكنز الثمين ونحن أعضاء فيها ومدبّرون لشعب الله ومؤتمنون على الخدمة.
يقول البابا فرنسيس:
« إننا لا نحتاج إلى كهنة يطبّقون حرفية الشريعة والقانون ويُبعدون الناس عن الله بتصرّفاتهم، ولا نحتاج إلى كهنة موظفين يقومون بواجبهم وحسب. بل نحتاج اليوم إلى كهنة يعيشون كهنوتهم ويكونون صورة المسيح الحقيقية في وسط شعبهم».
نعم، نحن نحتاج إلى كهنة يضعون ثقتهم بالمسيح، الكاهن الأوحد والأبدي والراعي الصالح، ويجدّدون تكريس ذواتهم لخدمته وخدمة شعبه في المحبة.
تعالوا نخدم معاً في المحبة متشبهين بالمعلّم الإلهي والراعي الصالح يسوع المسيح. آمين.