عظة المطران منير خيرالله
في قدّاس ختام مخيّم « الجوّالة» في كشّافة لبنان
في مدرسة الفرير الرميلة – صيدا، 3/9/2016
« فانفتحت أعينهما فعرفاه فغاب عنهما»(لوقا 24/31)
إخوتي الكهنة المرشدين،
أحبائي القادة وأنتم الجوّالة،
بفرح كبير نلتقي اليوم على أرض الجنوب المقدسة هذه الأرض التي قدّسها المسيح عندما دخل عليها وعاش فيها فترات من حياته. وأنتم أتيتم من كلّ لبنان تمثلون ليس فقط جوّالة أفواج لبنان وكل كشّافة لبنان إنما تمثلون كلّ شبيبة لبنان.
في لقائنا اليوم مع يسوع سوف نتناول أمثولة من الإنجيل الذي سمعناه وهو لقاء يسوع مع تلميذي عمّاوس ونطبّقها على حياتنا اليوم وحياتكم انتم بالأخصّ والمشروع الذي تبنّيتموه خلال هذه السنة 2016.
تلميذا عمّاوس، كما جميع رسل وتلاميذ يسوع، هربوا بعد موته واختبأوا لأنهم كانوا خائفين. الخوف جعل منهم جبناء. لم يستطيعوا أن يواجهوا المجتمع خائفين على مصيرهم كي لا يكون كمصير يسوع وهو الحكم بالموت. الموت يخيف الإنسان. كانوا يتحدّثون عن كلّ هذه الأمور يائسَيْن «مكتئبَيْن»، كما يقول لوقا في الإنجيل. فقدوا الأمل. كانوا منتظرين من يسوع الناصري، الذي أسلمه «عظماء كهنتنا ورؤساؤنا ليحكم عليه بالموت»، أن يُخلّص الشعب. كان قد قال لهم أنّه سيموت ويقوم في اليوم الثالث. وها نحن في اليوم الثالث ولم نره قائمًا. هذا اليأس بحدّ ذاته يولّد الخوف في قلوب الناس، حتّى لو كانوا أقرب المقرّبين من يسوع. أمّا عندما اكتشفوا أنّه يسوع الذي كان يمشي معهما ولم يعرفاه لأنّ أعينهما حُجبت عن معرفته وكان الخوف يحجب كلّ شيء عن رؤية الإنسان. ولكن عندما كسر الخبز معهما «انفتحت أعينهما وعرفاه فغاب عنهما». أمّا هما وبالرغم من دعوتهما له ليبقى معهما عند حلول الليل، رجعا إلى اورشليم ليخبرا الرسل بأنّ يسوع قام وهو معهم يرافقهم دائمًا في الطريق.
هذا هو موضوعنا لكشّافة لبنان لهذه السنة. يسوع هو طريقنا ورفيقنا. ولكني أريد أن أقول أكثر من ذلك. عندما التقى التلميذان يسوع وعرفاه إستعادا قوّتهما وشجاعتهما وجرأتهما على مواجهة العالم. لقد تخطيا عقدة الخوف ورجعا في الليل يُخبران الرسل وكلّ الناس أنّ يسوع، الإله والإنسان، الذي مات من أجلنا على الصليب، قام وهو حيّ إلى الأبد وباقٍ ويسير معنا. وانطلق الرسل إلى العالم كلّه، اثنا عشر رسولًا واثنان وسبعون تلميذًا فقط. انطلقوا في كل أنحاء الإمبرطوريّة الرومانيّة وإلى العالم كله. كنيسة المسيح موجودة اليوم بفضل بشارتهم وبشارة كلّ الذين مرّوا من قبلنا خلال الألفي سنة الماضية. وبفضل جرأتهم وشجاعتهم ومسيرتهم مع المسيح وبالمسيح توصّلوا إلى زرع بشارة الخلاص والفرح والمحبّة في كلّ أرض في العالم وبين كلّ شعوب العالم.
انتم اليوم كشبيبة وكجوّالة اخترتم « أيادي تبني» موضوع لمشروعكم هذه السنة. وهذا صحيح، فأنتم الأيادي التي تبني. بالرغم من كلّ ما ومرّ على بلدنا لبنان، في واحد واربعين سنة (منذ 1975)، ومعظمكم لم يكن قد ولد عند بدء الحرب ولكنكم عشتم ويلاتها من قتل ودمار وتهجير ونزوح، لم يبق شيء غير الشباب. أنتم، نعم أنتم الايادي التي سوف تعيد بناء هذا الوطن. نحن أعلنا القسم كمسيحيين أوّلًا وككشافة ثانيًا أننا سوف نكون في خدمة الله والكنيسة والوطن؛ لذلك لا خوف على الوطن. هذا الوطن بحاجة إلى أيديكم ليُبنى. المشاريع التي نفّذتموها، وكان قد تكلّم عنها القائد جواد في أوّل القدّاس، ولنا الثقة أنّكم نفّذتموها بفرح كبير. بتكاتف أيديكم في تأدية الخدمة نقلتم الفرح إلى كلّ العائلات والمجمّعات والمؤسّسات التي توجّهتم اليها وعملتم معها.هذا هو مشروع اعادة بناء الوطن.
أنتم الأيادي التي سوف تعيد بناء الوطن. لقد تنشّأتم في الحياة الكشفيّة لتعيشوا إيمانكم بالله والثقة التامة به. فلا تفقدوا هذه الثقة. لقد تنشّأتم كي تكونوا أبناء الكنيسة. فأنتم أبناء الكنيسة وأنتم الكنيسة؛ ونحن جميعنا الكنيسة. وتنشّأتم أيضًا لخدمة الوطن وحملتم شعار الجهوزيّة الدائمة للخدمة. فاليوم الوطن وكلّ شعبنا ومجتمعنا بحاجة إلى أيديكم لكي يُبنى من جديد. الويل، الويل لكم اذا استقالت أيديكم ولم تعد باستطاعتها ان تبني. والويل للمجتمع والوطن اذا لم تبنوا انتم الشبيبة ومستقبل الغد الوطن حجرًا حجرًا على أساس القيم التي تربيتم عليها، القيم التي بدأ مجتمعنا يفقدها. أكرّر وأقول: من سيبني اذا استقلتم أنتم؟!
مثلكم نحن تنشّأنا في الحياة الكشفيّة، وأنا أيضًا، قبل أن أصبح كاهنًا، تلقّيت هذه التنشئة وجمعت لاحقًا بين الخدمتين الكشفيّة والكهنوتيّة، وذلك لمدى التقارب بين الخدمتين. واليوم، نحن هنا مع المرشدين واخوتكم الكهنة لنرافقكم ونرشدكم كما يسوع رافق تلاميذه ويرافقنا جميعًا، كي تضعوا أيديكم في خدمة بناء الوطن. لا تخافوا ولا تيأسوا! تحرّروا من الخوف لأنّكم أقوى من الخوف وأقوى من الخطيئة والموت وكلّ تحديات العالم. أيديكم سوف تعيد بناء لبنان. نحن كلنا ثقة بكم. وكلّ ما أنظر إلى وجوهكم لا أرى غير المستقبل، مستقبل الكنيسة والوطن ومجتمعنا. فبفضلكم وطننا لبنان سوف يبقى ويستمرّ وطن رسالة للعالم كلّه، كما أطلق عليه البابا القديس يوحنا بولس الثاني في زيارته إلى لبنان سنة 1997. سوف يبقى لبنان وطن رسالة لكلّ دول العالم بالمحبّة والمصالحة والسلام والانفتاح وخدمة الآخر واحترام التعدّديّة في العيش الواحد.
صلاتنا معكم اليوم ومن اجلكم أنتم شبية لبنان وكشّافة لبنان وجوّالة لبنان، كي تبقى أيديكم قويّة ومستعدّة دائمًا للخدمة؛ قويّة ولا ترتخي أو تستقيل من هذه المسؤوليّة.
هل توافقون على ما أقوله أم أنا مُخطئ بثقتي بكم؟ هل توافقون؟ (... نعم !)
أعرف أنّكم توافقون. وجوابكم ليسوع المسيح هو البشارة والخدمة جوّالة، للخدمة!
Routier, pour servir.
هذا هو المطلوب منكم اليوم وسوف تؤدّونه بكلّ ثقة وشجاعة: بناء وطننا لبنان! بارككم الله وقدّسكم. آمين