عظة المطران منير خيرالله
في قداس ليلة عيد مار ميخائيل
في رعية كور، الاثنين 5/9/2016
« كونوا أنتم كاملين، كما أن أباكم السماوي كامل هو» (متى 5/48).
حضرة الخوري طوني (الأهل) خادم هذه الرعية الحبيبة،
حضرة الخوري الياس (فارس) ابن هذه الرعية وخادمها لسنوات طويلة،
أحبائي جميعاً
أفرح بأن أعيّد معكم هذه السنة عيد شفيعكم وشفيع رعيتكم مار ميخائيل لنتّخذ أمثولة لحياتنا اليوم، كبارًا وصغارًا وأطفالًا وشبيبة، من رئيس الملائكة الذي اختاره أجدادكم وآباؤكم شفيعاً لهم.
وألاحظ أيضًا أنهم اختاروا لهم شفيعًا ثانيًا هو مار جرجس. والاثنان يحملان السيف لمحاربة التنيّن وهو الشيطان إبليس؛ وقد انتصرا عليه باسم الله لينال شعب الله الخلاص وليكون لكل واحد مكانه في الملكوت.
ميخائيل رئيس الملائكة، كما سمعنا من القراءة الأولى من الرؤيا، حارب إبليس الشيطان وملائكته الذين تكبّروا على الله وطردهم من السماء. واسم ميخائيل يعني: « من مثلُ الله ؟»؛ أي من يقدر أن يكون مثل الله الذي خلقنا على صورته كمثاله. لذلك فقد ربح حربه باسم الله. كذلك مار جرجس ربح حربه على التنين عدوّ الكنيسة.
ونبقى نحن في حياتنا اليومية على هذه الأرض في صراع مستمرّ وطويل مع الشرّ والشيطان وأتباعه. ونحن مدعوون إلى أن ننتصر بإيماننا ورجائنا وبقوة روح الله.
لذلك سمعنا في الانجيل يسوع يدعونا قائلًا: « كونوا أنتم كاملين كما أن أباكم السماوي كامل هو». يدعونا إلى الكمال والقداسة؛ لكننا لن ننالهما إلا بعد صراعنا مع الشرّ وعبورنا إلى الحياة الأبدية حيث الانتصار مع ابن الله يسوع المسيح الذي صار إنسانًا مثلنا وافتدانا بموته وقيامته وانتصر لنا على الشرّ والخطيئة والموت، وصيّرنا أبناء الله وحجز لنا مكانًا في الملكوت.
نحن اليوم نعيش على أرض تقدّس فيها آباؤنا وأجدادنا بانتصارهم على الشرّ والشيطان ملبيّن دعوة الله إلى الكمال والقداسة. ونحن نتابع تلبية هذه الدعوة ومحاربة الشرّ لا بتطبيق حرفية الشريعة بل بعيش شريعة المحبة، الوصية الوحيدة التي تركها لنا المسيح. وليس لنا سواها للانتصار على الشرّ والأشرار. وحدها المحبة هي كفيلة بأن نلبّي دعوة الرب إلى الكمال والقداسة. وأن نحبّ بالمطلق لنكون أبناء أبينا الذي في السماوات. فإذا أحببنا من يحبّنا، فأيّ أجرٍ لنا ؟ أن نحبّ أيضاً من يبغضنا ومن يضطهدنا. هذا هو تحدّي منطق يسوع المسيح الذي غيّر منطق البشر وقَلَبَ مقاييسهم. فكما أحبّنا الله الآب، وهو أب سهران علينا ويهمّه خلاصنا، فأرسل ابنه الوحيد يسوع المسيح ليبذل ذاته في سبيل فدائنا وخلاصنا، علينا نحن أن نحبّ بعضنا بعضاً. « وما من حبّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل أحبّائه». عاش المسيح هذه المحبة وأعطانا المثل وطلب منا أن نتبعه حتى في حمل الصليب وبذل الذات.
يبقى السؤال المطروح علينا جميعًا: هل نحن قادرون على عيش هذه المحبة ؟ هل نحن قادرون أن نكون مثلًا وقدوةً أمام أولادنا في عيش المحبة ؟ وفي تسليم الذات بثقة كاملة إلى الله أبينا ؟
هل تعرفون لماذا يقوى الشرير في هذه الأيام ؟ ربما لأننا لا نستطيع أن نعيش المحبة، حتى بين الاخوة وفي العائلة الواحدة وفي الرعية الواحدة وفي المنطقة الواحدة. أصبحنا مستسلمين لأهواء مصالحنا الخاصة ولأنانياتنا ولملذات هذه الدنيا وأموالها وممتلكاتها، دون أن ننتبه أنها فانية وزائلة. هل نعرف أننا لن نحمل منها شيئًا عندما نغادر هذه الدنيا ؟
تعالوا نعود إلى ذواتنا وإلى ربنا، في ليلة عيد شفيعنا، ونقوم بفحص ضمير عميق ونتوب توبة صادقة ونطلب المغفرة من الله، إله المحبة والرحمة، وهو يعاملنا بالرحمة.
تعالوا نطلب منه الجرأة على عيش المحبة مع بعضنا البعض ونتخلّى عن مصالحنا ونتخطّى الأمور التي تفرّقنا لنركّز على ما يوحّدنا.
تعالوا نبدأ كل واحد بنفسه، نحن المطارنة والكهنة والرهبان والراهبات أولًا، لنكون قدوةً ومثالًا لكم في عيش المحبة. ثم ندعوكم أنتم إلى إعطاء المثل لأولادكم بالعيش لا بالكلام. لأن أولادنا وأمثالهم في عالم اليوم لا يؤمنون بالكلام بل بشهادة الحياة. لا يريدون وعّاظاً بل شهودًا !
تعالوا نتّخذ الليلة المقاصد لتغيير حياتنا وسلوكياتنا والمنطق الذي نتعامل فيه، لنتبنّى فقط منطق المحبة. فنلبّي معًا دعوة المسيح بأن نسعى أن نكون كاملين كما أن أبانا السماوي كامل هو. آمين.