قداس ليلة عيد الصليب على جبل الصليب اجدبرا 13-9-2016

 

عظة المطران منير خيرالله

في قداس ليلة عيد الصليب لرعايا قطاع الرحمة الإلهية (إجدبرا وعبرين وبجدرفل وكفيفان)

على جبل الصليب في اجدبرا، الثلاثاء 13/9/2016

 230

« إننا نبشّر بالمسيح مصلوبًا» (1 قور 1/23).

 

إخوتي الكهنة

صاحب المعالي الأستاذ جبران باسيل

حضرة ممثل صاحب المعالي الشيخ بطرس حرب

الفعاليات السياسية والبلدية والإختيارية، والحركات الرسولية

أبناء رعايانا

أحباءنا جميعًا

 

        في ليلة عيد ارتفاع الصليب نلتقي أيضًا هذه السنة تحت أقدام صليب المسيح الذي يرتفع سنة بعد سنة لكي نُمَجَّدَ نحن فيه وفي حماية العذراء مريم التي تسهر علينا جميعاً وتحمي كنيستنا ووطننا وعائلاتنا.

نجتمع لنحتفل معًا بالعيد، عيد المجد، عيد المسيح المصلوب؛ انه سرّ الصليب سرّ المحبة. الصليب الذي تمجّد فيه يسوع المسيح ابن الله؛ لأنه ارتضى بعد أن صار انسانًا وحمل انسانيتنا وحمل ضعفنا وخطايانا، ارتضى أن يموت على الصليب ليُظهر لنا قمة المحبّة، محبّة الله الآب لجميع البشر دون استثناء. المحبة التي تبذل ذاتها في سبيل من تُحبّ. وعَبَرَ المسيحُ بالصليب من الموت إلى الحياة، وجعل لنا الصليب جسراً للعبور من عبودية الخطيئة إلى حرية النعمة، من عبودية ملذات الدنيا إلى حريّة أبناء الله. من العبودية إلى المجد. انه سرّ المسيح المصلوب، انه سرّ المحبّة.

هل نريد أن نفهم هذا السرّ ؟ فقط بإيماننا نستطيع أن نفهم سرّ المسيح ابن الله المصلوب لأجلنا. تمامًا كما حبّة الحنطة يجب أن تقع في الأرض وتموت لكي تُعطي ثمارًا كثيرة (يوحنا 12/24)، كذلك كان على ابن الله « يسوع المسيح أن يعاني آلام الصليب فيدخل في مجده» (لوقا 24/26).

هذا هو جوهر إيماننا. هذا هو الإيمان الذي سار عليه أجدادنا وآباؤنا وعاشوا فيه بحريّة وكرامة على قمم جبالنا؛ لأنها النقطة الإستراتيجية التي اختارها أبونا مار مارون عندما أنشأ الروحانية النسكية؛ لأنه اعتبر أن الوقوف على قمة الجبل هو اقتراب من الله في علاقة مباشرة معه وهو ابتعاد عن العالم دون الخروج منه.

يقول لنا المسيح في إنجيل الليلة: « من أحبّ نفسه خسرها، ومن أنكر نفسه في هذا العالم حفظها للحياة الأبدية» (يوحنا 12/25).

إننا نلتقي اليوم على قمّة هذا الجبل حيث يرتفع صليب من صلباننا الكثيرة التي ارتفعت في تاريخنا وترتفع اليوم وستبقى ترتفع في المستقبل القريب والبعيد لكي نُمَجِّد من خلالها الله الذي أحبنا حبًا مطلقًا. تعوّدنا أن نثبُت في إيماننا وأن نعيش روحانيتنا النسكية على قمم جبالنا وفي تقشُّف وابتعاد عن العالم وتخلٍّ عن كل ما فيه لكي نقترب من الله ونضع ذواتنا في علاقة مباشرة معه ولكي نربح العالم وننتصر على شياطينه وعلى حكّامه.

إنها ثابتة من ثوابت تاريخنا ومسيرة شعبنا وكنيستنا؛ فلا نرضى أن نغيِّر مسارنا اليوم ولاغدًا ولا بعد غد.

إطمئنوا! إننا ثابتون هنا مهما قست علينا الأيام. لن تقسُوَ أكثر مما قست على أجدادنا وآبائنا في هذا الجبل وعلى هذه الأرض المقدسة. لا تخافوا! سنبقى مرتبطين بأرضنا لأنها أرضٌ وقفٌ لله. سنبقى هنا رسلًا للمحبّة، المحبّة التي تبذل ذاتها؛ المحبة التي تغفر من على الصليب؛ المحبّة التي تنفتح على كلّ إنسان وتحترم كل إنسان لأنه أخٌ لنا في الإنسانية ولأنه ابنٌ للإله الواحد.

إننا نحتفل بهذا العيد على بضعة أمتار من ضريح البطريرك الياس الحويك، البطريرك العظيم الذي أراد باسم كلّ اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، أن يُعلن للعالم كلّه دولةَ لبنان الكبير، وطنًا رسالة في المحبّة والسلام، في الحريّة والكرامة، في الديمقراطيّة واحترام الإنسان في العيش الواحد في تعدّدية الثقافات والحضارات والطوائف والديانات.

إننا اليوم، في زمن الأزمات وفي زمن المِحَن وفي زمن التعصب والتطرّف وفي زمن الحروب من حولنا وفي العالم، نتساءل: هل أخطأ البطريرك الحويّك واللبنانيون معه في إعلان لبنان الكبير؟ كلا، لم يُخطئوا! لأنّ اللبنانيين في زمن النهضة والإزدهار يُكبّرون لبنان؛ ولأن اللبنانيين في زمن الانحدار والانحطاط يُصغّرون لبنان ويُقزّمونه كلّ واحد على قياسه لكي يقتسموه. لن نقبل بذلك! إن بيتنا لبنان يحترق منذ إحدى وأربعين سنة ونحن هنا اليوم نتقاتل على اقتسام مغانمه، هذا ليأخذ الكرسي وهذا ليأخذ الطاولة وهذا ليأخذ ما بقي منه. لا! نحن كبار، وسنبقى نُعلن لبنان الكبير في وجه العالم وفي وجه سلطنات العالم. وإن لم يقبلوا فنحن سنبقى صامدين. تعوّدنا أن نواجه كلّ تحديات العالم وأن نواجه السلطنات والإمبرطوريات والحكومات والقوى العظمى بإيماننا ووحدتنا وتضامننا وصمودنا بفضل صلباننا التي ترتفع لمجدنا ولحريتنا وكرامتنا بالمسيح يسوع. نحن لسنا خائفين. نحن نتطلع إلى البعيد بعد أن نأخذ عبرة من تاريخنا الطويل. لا تخافوا! المسيح معنا. المسيح حاضر معنا ويقول لنا اليوم وكلّ يوم: لا تخافوا! أنا غلبتُ العالم. لا تخافوا! أنا معكم إلى منتهى الدهر. أحبّوا، أحبّوا، أحبّوا حتى النهاية. أحبّوا مضطهديكم ومبغضيكم وصلّوا من أجلهم. هذا هو سرّ الصليب، وهذا هو سرّ المحبّة. هذا هو إيماننا وسنبقى عليه بنعمة صليب المسيح وبشفاعة أمنا العذراء مريم سيّدة لبنان وجميع قديسينا. آمين.      

Photo Gallery