عظة المطران منير خيرالله
في قداس الاحتفال اليوبيلي للمتزوجين
الكرسي الأسقفي- كفرحي، 24/9/2016
« خلق الله الإنسان على صورته كمثاله» (تكوين 1/27).
إخوتي الكهنة،
أحبائي جميعًا أبناء وبنات أبرشية البترون،
أيها اليوبيليون المكرّمون.
بدعوة من لجنة العيلة في أبرشية البترون ومرشدها الخوري بطرس فرح نحتفل اليوم، وكعادتنا كل سنة، بتكريم الأزواج الذين مرّ على تكرّسهم في حب الله لهم وحبهم لبعضهم البعض في سر الزواج المقدس خمس وعشرون أو خمسون سنة. إنهم هنا اليوم مع أولادهم وأحفادهم ليجدّدوا قول النعم التي قالوها يومًا أمام الرب وأمام الكنيسة وعهد الحب الذي تواعدوا فيه على عيش حبّهم في الوفاء والديمومة والخصب.
إنه عهد الحب في سرّ الزواج الذي باركه المسيح وذكّرنا بما كان الزواج منذ البدء.
في عرس قانا الجليل، كان يسوع موجودًا مع مريم والرسل الأولين.
لم تكن ساعة يسوع قد أتت بعد، لكنه أنقذ العرس بتحويل الماء خمرًا وافتتح رسالته الخلاصية بهذه الآية وأظهر مجده. إنه البدء بمباركة الحب وحماية العائلة.
إنه يذكرَّنا بالبدء؛ بسفر التكوين الذي يخبر أن الله، بعد أن أنهى عمل الخليقة، صنع تحفتها، أي أنه «خلق الإنسان على صورته كمثاله»، رجلًا وامرأة، « ذكرًا وأنثى خلقهم وباركهم وقال لهم: إنموا واكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها» (تكوين 1/27-28).
هكذا يعلّمنا يسوع في عرس قانا الجليل أن « تحفة المجتمع هي العائلة»، كما يقول قداسة البابا فرنسيس.
الزواج الذي يباركه الله يرقى في الحبّ إلى سرّ الله، ويحافظ على الرباط بين الرجل والمرأة، رباط الحب الذي باركه الله منذ البدء، ويكون نبع السلام والخير للحياة الزوجية والعائلية.
الزواج المسيحي يتميّز بفضائل ثلاث: الأمانة والديمومة والخصب.
هكذا علّمنا المسيح وهكذا كان قدوةً لكل الأزواج المسيحيين: أحبّ كنيسته وبذل نفسه في سبيلها. بقي أمينًا وفيًّا لحبّه لها حتى على الصليب؛ وأحبّها دومًا دون أن يتعب من حبّه لها؛ وحبّه لها يخصب بالأولاد الذين تلدهم الكنيسة في سرّ المعمودية.
إنها العائلة المسيحية التي تكبر بالحبّ وتكون مثالًا وقدوةً لعيش الفضائل الثلاث في الكنيسة وفي المجتمع.
فالعائلة المسيحية في تعليم الكنيسة هي أولًا مدرسة إيمان، حيث يعاش الإيمان بالله وبتدبيره الخلاصي للبشر بيسوع المسيح، عربون محبته المطلقة ووجه رحمته.
وهي ثانيًا مدرسة حياة، حيث يترجم الإيمان أعمالًا وتصبح الحياة شهادة محبة ومصالحة وتضامن، وتصبح العائلة على مثال الكنيسة أمًا ومعلمة تربي على القيم السامية.
وهي ثالثًا مدرسة صلاة لتصبح جماعة حوار مع الله تتغذى من كلمته ومن عيش الأسرار، وبخاصة المعمودية والافخارستيا والتوبة.
وهي رابعًا المدرسة الأولى والأساسية للحياة الإجتماعية لتصبح جماعة في خدمة الإنسان بمجانية العطاء والمحبة المتجرّدة وروح الضيافة والجرأة على قول الحق.
يهمّنا، من خلال الحملة التي نقوم بها مع لجنة العيلة في أبرشيتنا وفي مسيرة المجمع الأبرشي، أن يعي الأزواج والوالدون مسؤولياتهم في تربية أجيال المستقبل ومواجهة التحديات الآتية، وأن تكون كل عائلة من عائلاتنا جماعةً مقدسة وكنيسة مصغّرة.
وعيش المحبة في العائلة، كما على مستوى المجتمع والوطن، لا يتحقق إلا من خلال الحوار، حوار الحقيقة والمحبة، الذي هو الطريقة الأفضل للتعرّف إلى الآخر والإصغاء الواعي لما يقول، واحترام رأيه، وقبوله بمحبة، ومناقشته بصراحة، ومواجهته بالحقيقة.
والهدف الأخير هو أن تُصان العائلة في كل مقوّماتها وتُحصَّن في أخلاقيتها، فتكون النواة الأساسية لإعادة بناء المجتمع والوطن على قيم الحرية والانفتاح والاحترام والصدق والإخلاص.
فلا تخافوا أن تدعوا يسوع مع أمه مريم إلى حفلة العرس، أن تدعوه إلى بيتكم ليقيم معكم ويبارك العائلة ويلبّي طلب أمه في كل احتياجاتها. آمين.
كلمة الخوري بطرس فرح
\في مقدمة القداس اليوبيلي للمتزوجين
الكرسي الأسقفي- كفرحي، السبت 24/9/2016
صاحب السيادة المطران منير خيرالله السامي الاحترام
آبائي الأجلاء،
أيّها المكرَّمون،
إخوتي الأحباء.
قيل: « إذا أردت التحضير لسنة، إزرع قمحًا؛ إذا أردت التحضير لقرن، إزرع أشجارًا مثمرة؛ أمّا إذا أردت التحضير للأبدية، فابنِ العائلة». وفي عصر نسمع آراءً حول الزواج والعائلة وكأنّهما انتحار، أو ورقة يانصيب مكلفة وغير مضمونة؛ أو، كما يقول المثلُ الإسباني: « الزواج والبطّيخ يكونان جيّدين مصادفة»... وغيرها الكثير من آراء هذا الدهر. يرتفع صوتُ الكنيسة لكي تؤكّدَ أن العائلة قوامُ العالم؛ فهي التي تؤسّسُ كنائسَ صغرى، وتملأُ الكنائس الكبرى. فالعائلة صفحةٌ مشرقةٌ أولى من صفحات الكتاب المقدّس، وفي ملء الزمن، هي مركزُ التجسّد، وباكورةُ حياة يسوع العلنية في قانا، وقِفلُ سفر الرؤيا الذي يطوّب أولئك المدعوين إلى وليمة عرس الحمل.
إنطلاقًا من ذلك، تشهدُ لجنةُ العائلة في أبرشية البترون المارونية على قيمةٍ فيها التزمتم أيّها المكرّمون؛ كاتفتم أيديكم ببعضها، وبحمى الصليب ونعمة الربّ وقدّيسيه قدتم محراثَ العمل في حقل الربّ ولم تنظروا إلى الوراء، رغم حرّ النهار وإغراءات المتربّصين. سنواتٌ بلغت خمسًا وعشرين أو خمسين، وما زلتم سائرين إلى ملء الاتحاد بالعائلة السماوية الثالوثية.
صاحب السيادة، أردنا أن يكون شعارُنا هذه السنة، ومن ضمن إعلان قداسة البابا فرنسيس موضوع الرحمة: « العائلةُ رحمةٌ - ينبوعُها صلاةٌ وخدمةٌ»؛ ومن جهة ثانية هما انعكاساتُها أيضًا، هما المصدرُ والنتيجة.
ولكي تبقى عائلاتُنا ثابتةً على صخرة بطرس، ولكي تنهلَ من أصالةِ إيمانِ أجدادٍ استغلوا المعبورَ، وسندوا الصخور، وتنشّقوا النقيّ توأمةً، وتنفّسوا الفجر حرًا، وأقفلوا المساء شكرًا وتسبيحًا.
لكي تبقى عائلاتُنا خميرةً في جبل، رِزقتُها من الربّ لأنه العاطي بوفرةٍ، فتذكرُ الأمُّ أسماءً وأسماء لتصل إلى المطلوب، لكثرتهم... فعلى نوايا أجدادٍ رحلوا بعد أن سلّموا المسؤولية، نرفع أفضلَ ما عندنا، الذبيحةَ الإلهيّة على نيّة جميع عائلاتِنا المكرّمة بيوبيليها الفضّي والذهبي في أبرشية البترون المارونية، لكي تبقى شهادةً أنّ العائلةَ هي المكانُ الأول للبشارة المسيحية وعلى أساسها تُبنى الأوطان وتغتني الكنائسُ بمؤمنين قدّيسين آمين.
صلوات نقل القرابين
أيها الآب المساوي، يا من قبلت قربان ابراهيم، وقبلت تقدمة العذراء في الهيكل، إقبل بمراحمك الإلهية قرابيننا وتقدماتنا التي نقدمها لك اليوم على مذبحك المقدس واجعلها قرابين شهية وحجارة ثابتة لبناء ملكوتك.
1- كونوا رحماء كما أنا اباكم السماوي رحيم.
نقدم لك يا رب، أيقونة الرحمة الإلهية رمزًا لعائلتنا، التي تنقاد نحو حبك اللامتناهي، وعيًا لدورها وإدراكًا لمسؤولياتها في إحاطة متوازنة بقلب الحياة العائلية.
2- ما جمعه الله لا يفرقّه إنسان
نضع يا رب بين يديك رمز خواتمنا، مجددين بذلك عهدنا، واتحادنا الكامل، والحب بيننا، طوال أيام حياتنا معًا إلى الأبد.
3- يا رب أنت قلت « أنتم ملح الأرض فإذا فسد الملح فأي شيء يملحه».
العائلة هي الملح الذي بواسطته تملح الطعام لكي يصبح طيبًا ولذيذًا.
4- أنتم رائحة المسيح الطيبة.
نقدم لك يا رب، البخور علامةً لحضورك الدائم معنا. فنحن رائحتك التي من خلالها نعطر الأجواء، ونترك أثرًا طيبًا حيثما حللنا.
5- العائلة هي الجماعة العميقة في الحب والحياة.
نقدم لك يا رب، أيقونة العائلة رمزًا للعائلات الباقية على العهد، والتي تنقل هذا الحب، وهذا الواجب، إلى الأجيال الطالعة لكي تصل إلى درب الحياة الأبدية.
6- خبز وخمر علامةً لسر جسدك ودمك اللذين سفكتهما من أجلنا على الصليب.
إقبل يا رب، الخبز والخمر اللذين نقربهما لك اليوم لكي يصبحا قرابين قداسة، وتقدمةً طاهرة، بحق المسيح ملكنا وإلهنا له المجد وعلينا رحمته من الان وإلى الأبد آمين.
النوايا
2- نذكر يا ربّ، عائلاتٍ تشارك معنا. رأت في السنين زمنًا للخدمة؛ في البذل تحقيقًا للملكوت؛ في القناعة انعكاسًا لمسيرة الأجداد، وفي الصبر توأمةً مع الأصالة... فرغم المدّ المديني المتنوّع النتائج، لتبقَ عائلاتُنا صورة ثالوثية بالمحبّة المجانية، بالصمت الشاهد والنموّ المقدِّس.
نسألك يا ربّ
3- نذكر يا ربّ، أولادًا يكبرون، وغذاءُ العالم يغويهم. ليكن نموُّ الربّ يسوع بالقامة والحكمة والنعمة مثالًا لأطفالنا. لتتحوّل طاقاتُ شبيبتنا السائلةَ أبدًا، إلى اتّباع للربّ يُغني بالأثمن. ولا يغرّنّهم البرّاقُ من الجمال والقوّة والوجاهة و... وكذلك الشاب الغنيّ، ويذهبون بحزن. علّمهم أنّ تغييبك ملءُ الحزن؛ والعيشَ بحماك حياةٌ أبدية.
نسألك يا ربّ
4- نذكر يا ربّ، العائلات المفكّكة، لكي تجدَ في البعدين ملاذًا وحماية: الصلاة والخدمة. ليكن الحوارُ معك سكونًا، وسط ضجيج الصارخين في الآذان. علّمهم أنّ حماك نورٌ وسط ظلام الاختيارات، ابتسامةُ رضى في ادلهمام القرارات. ليكن مثالُك تأكيدًا أنّ الخدمة تُكبِر ولا تُصغِّر، وأنّ الانتصار على صليب المؤامرات يسبقه غسلُ أقدام الأخوة، حتى الناكرين.
نسألك يا ربّ