عظة المطران منير خيرالله في قداس عيد مار سركيس وباخوس شبطين، السبت 8/10/2016 « من يصبُر إلى المنتهى يخلُص» أبونا جورج (طنوس) خادم هذه الرعيّة، معالي الوزيرة الصديقة أليس الشبطيني، أحبائي جميعًا أبناء وبنات شبطين، وكلّ أصدقاءنا وأحبائنا وزوّارنا. نجتمع اليوم في عيد مار سركيس وباخوس شفيعي هذا المكان المقدّس لكي نصلّي معًا، ونقدّم معًا ذبيحة الخلاص، خلاصنا جميعًا، ولكي نجدّد الإعلان بإيماننا بسيّدنا وربنا يسوع المسيح مخلّصنا الوحيد. القديسان سركيس وباخوس شهدا للمسيح في حياةٍ أعلنا في خلالها أنهما فقط للمسيح ولكلمته وللشهادة له حتى الموت. كانا ضابطين في الجيش الروماني؛ وعندما أمرهما الملك أن يقدّما الذبائح للأصنام، رفضا، وأعلنا أنهما يؤمنان بيسوع المسيح، وقالا « إن المسيح هو ملكنا الوحيد». لأن المسيح ابن الله، هو الملك الوحيد في تاريخ البشرية منذ آدم حتى اليوم الذي رضي أن يضحّي بنفسه في سبيل شعبه. بينما ملوك التاريخ ضحّوا بشعوبهم في سبيل مُلْكهم ومصلحتهم الشخصيّة. وهنا سرّ الإيمان بالمسيح، وجوهر الإيمان به، لأنه ابن الله وارتضى أن يتنازل ويحمل إنسانيتنا الضعيفة ويحمل خطايانا. يحملها حتى الموت على الصليب لكي يُظهر محبّة الله الآب للبشرية جمعاء وليُظهر أن الله أحبّ البشر لدرجة أنه ضحّى بابنه يسوع المسيح حتى بذله ضحيّةً وفداءً عنا جميعًا. فموت المسيح وقيامته هما جوهر إيماننا منذ تأسيس الكنيسة حتى اليوم وإلى منتهى الدّهر. لأن المسيح أوصى رُسُلَهُ أن يعلنوا هذا الإيمان وأن يبشّروا به في كل الأرض، وقال لهم: « لا تخافوا أنا معكم حتى منتهى الدّهر». هذا هو الإيمان الذي وصل إلينا بعد ألفي سنة، وهذا هو الإيمان الذي عاشه أجدادنا وآباءنا على هذه الأرض المقدّسة التي نحن عليها اليوم؛ فأعلنوا فيها ثباتهم في الإيمان وتمسكهم بالقيم المسيحية التي تربّوا عليها؛ وثبتوا في هذه الأرض بالرّغم من كلّ ما جرى وحدث لهم وحولهم من اضطهادات واحتلالاتٍ ونزوحات وحروب. ثبتوا في هذه الأرض ونقلوا إلينا الإيمان؛ وبفضلهم نحن اليوم نعلن إيماننا مرفوعي الرأس. نعلنه بحريّة وكرامة وفي هذا المكان بالذات الذي اختاره أجدادكم على اسم سركيس وباخوس شهيدي الإيمان. نحن اليوم بفضلهم جميعًا نجدّد إيماننا ونقول لكم: « لا تخافوا»، فالمسيح معنا؛ هو الذي غلب الموت وانتصر على الخطيئة والشرّ. المسيح لا زال وسيبقى دائمًا حاضرًا معنا. علينا فقط أن نعيش حضوره في الحياة كلّ يوم، وعلينا أن ننقل إيماننا إلى أولادنا وأجيالنا الطالعة، كما نُقِلَ إلينا من الأجداد والآباء. نحن هنا اليوم في هذا المكان المقدّس، في عودةٍ إلى أصالة تقاليدنا وقيمنا؛ نحن هنا اليوم لنجدّد إعلان الإيمان ونقول للعالم ونقول لسلاطين العالم: إننا لا نخاف، إننا أقوياء بتاريخنا، أقوياء بتاريخ كنيستنا وشعبنا، أقوياء بقداسة أجدادنا وآبائنا وعائلاتنا؛ نحن أقوياء بكل مؤمن ومؤمنة منّا. نحن باقون هنا! سلطناتكم ستعبر لأنها إلى زوال، وممتلكاتكم ستزول لأنها فانية، أمّا نحن فباهون هنا، باقون هنا ثابتين في إيماننا متمسّكين بقيمنا ومرتبطين بأرضنا المقدّسة؛ لأنها أرض القداسة والقدّيسين. لا تخافوا نحن قادرون أن نغيّر العالم، قادرون بوحدتنا وتضامننا وتماسكنا، قادرون أن نعيد بناء دولتنا ومؤسساتها لكي تبقى في خدمة كلّ مواطن ليعيش بحرية وكرامة كما تعوّدنا. نحن قادرون على أن نعيد بناء وطننا لبنان كي يبقى ويستمّر وطن الرسالة والنموذج لكلّ بلدان العالم؛ رسالةً في المحبة والمصالحة والسلام، رسالة في الإنفتاح واحترام الإنسان والعيش الواحد في تعددية الطوائف والديانات والحضارات والثقافات. نحن باقون وقادرون على أن نستمّر في رسالتنا. لا تخافوا! صلاتنا اليوم من أجل كل عائلةٍ من عائلاتنا لكي تبقى خميرة صالحة في مجتمعنا وفي كنيستنا. صلاتنا من أجل شعبنا الذي يعاني ما يعانيه اليوم، لكن أقلّ مما عانى أجدادنا وآباؤنا لكي يبقى ثابتًا في رسالته. صلاتنا اليوم من أجل جميع المسؤولين بيننا، المدنيّين والسياسيين والدينيّين، لكي يعودوا إلى ضمائرهم، لكي يعودوا إلى جذورهم، لكي يعملوا بضميرٍ حيّ ونيّة صافية على خلاص الشعب وخلاص الوطن، فنبقى جميعُنا، في حياةٍ حرّة وكريمة، رسلَ المحبّة والمصالحة والسلام، رسلاً وشهودًا للمسيح، على أرض المسيح هذه. آمين.