عظة المطران منير خيرالله في قداس الجمعية العمومية السنوية لجمعية كشافة لبنان الأحد 16/10/2016، في مدرسة سيدة اللويزة- ذوق مصبح « ألا تؤمن أنّي في الآب وأنّ الآب فيّ؟» (يوحنا 14/10) إخوتي المرشدين، إخوتي القادة، إخوتي الكشافة. قلبنا يكبر فيكم فيما نحتفل معًا اليوم، في الجمعية العمومية السنوية لجمعيتنا « كشافة لبنان»، بإطلاق السنة الجديدة وموضوعها « أوفياء مثلك يا يسوع!». ونجدّد في الوقت عينه وعدنا والتزامنا بأن نكون أوفياء مثل يسوع. إنه الموضوع الذي اخترناه لهذه السنة لنعيشه في كل لحظة من حياتنا. والوفاء فضيلة مسيحية وقيمة إنسانية وكشفية كبيرة، تعود بنا إلى جذورنا، إلى الأصل، إلى النبع الذي هو يسوع المسيح. نلتزم أن نكون أوفياء مثل يسوع. يسوع ابن الله عاش حياته بيننا كإنسان كامل بالوفاء للآب. ويسوع الإبن والله الآب هما واحد. هذا هو تعليم الابن في إنجيل يوحنا الذي سمعناه اليوم؛ وهذا هو تعليم الرسل والكنيسة؛ وهذا هو إيماننا. يسوع والآب واحد. طبعًا إنه سرّ عميق لا ندركه في منطقنا البشري، لكننا نفهمه في منطق إيماننا بيسوع المسيح الذي هو المعلّم والربّ والمخلّص الوحيد. يسوع عاش الوفاء للآب؛ كإنسان جاء ليتمم إرادة الآب. وإرادة الله الآب هي أن يخلّص البشر، أن يفتديهم، أن يموت من أجلهم على الصليب لكي يُظهر لهم مدى محبّة الله لهم. قيمة المحبة أن يبذل إبن الله نفسه في سبيل البشر الخطأة. فيقول لنا يسوع بعد أن عاش الوفاء لتتميم إرادة الآب: أنتم أيضًا إفعلوا مثلي، تشبهوا بي، وعيشوا هذا الوفاء طوال حياتكم لكي يكون لكم مكان عند أبي في السماوات. « وأنا إذا ذهبتُ وأعددتُ لكم مكانًا، أرجع فآخذكم إليّ» (يوحنا 14/3). جميعنا، بموت وقيامة يسوع المسيح، أصبح لنا مكان في الملكوت. هذا هو إيماننا وهذا هو إيمان الكنيسة، وهذا ما علينا أن نعيشه مع بعضنا. كان يسوع مثلاً وقدوةً لرسله وتلاميذه بالمحبة والخدمة وبذل الذات مجانًا، إذ طلب منهم أن يعيشوا هذه القيم الثلاثة، لدرجة أنه قبل أن يتركهم ليُسلَم فيموت على الصليب، غسل أرجلهم. فهل يوجد بين البشر تواضع أكثر من هذا ؟ وقال لهم: « إذا كنت أنا الرب والمعلّم قد غسلتُ أقدامكم، فيجب عليكم أنتم أيضًا أن يغسل بعضكم أقدام بعض. فقد جعلت لكم من نفسي قدوة لتصنعوا أنتم أيضًا ما صنعت إليكم» (يوحنا 13/12-15). « تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونها، وأن أكابرها يتسلّطون عليها. فلا يكنْ هذا فيكم؛ بل من أراد أن يكون كبيرًا فيكم فليكن لكم خادمًا. ومن أراد أن يكون الأول فيكم فليكن لكم عبدًا. هكذا ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدم بل ليَخدم ويفدي بنفسه جماعة الناس» (متى 20/25-28). هكذا فعل الرسل مع بعضهم البعض ومع خلفائهم وكانوا مثال المحبة والتواضع والخدمة المجانية وبذل الذات في سبيل بنيان كنيسة المسيح وثباتها وتقديسها. هذه هي رسالتنا وهذا هو واجبنا نحن المرشدين والقادة الكشفيين، أن نكون مثالاً وقدوةً لكم لنستطيع أن نقول لكم مع مار بولس: « تشبهوا بنا كما نحن نتشبّه بالمسيح». علينا نحن أولاً أن نكون أوفياء للمسيح وللرسالة التي سلّمنا إياها لخدمتكم، فنعيش قدامكم المحبة والتواضع والخدمة وبذل الذات مجانًا في سبيل تنشئتكم المسيحية والكشفية؛ تلك التنشئة التي تلقيناها نحن من الذين سبقونا في مسيرة الحياة الكشفية. ثم بعد ذلك نقول لكم تشبّهوا بنا كما نحن نتشبه بالمسيح، وكونوا أوفياء كما نحن أوفياء للمسيح وكما أن يسوع الإبن هو وفيّ لله الآب في رسالته لخلاص البشر. إنه وحده الطريق والحق والحياة. إنه وحده الطريق الذي به نعبر إلى الآب. ومن دون أن ننسى أن يسوع دعانا جميعًا إلى القداسة وإلى الكمال: «كونوا كاملين كما أن أباكم السماوي كامل» (متى 5/48). نعم نحن مدعوون إلى أن نكون أوفياء لهذه الدعوة، وبخاصة في تنشئتنا الكشفية التي هي تشبُّهٌ بيسوع المسيح. أحباءنا الكشافة، يسوع يدعوكم إلى أن تكونوا، بوفائكم، الخميرة الصالحة في المجتمع لتخمرّوا عائلاتكم وأفواجكم ووطنكم وتنهضوا بهم إلى حياة جديدة في خدمة الإنسان والإنسانية. « لا تضطرب قلوبكم» ولا تخافوا. « تؤمنون بالله فآمنوا بي» (يوحنا 14/1)، يقول لنا المسيح، «واعملوا بما أوصيكم به». أنتم المستقبل. بفرحكم « الذي لن ينزعه منكم أحد» وبإيمانكم ورجائكم تبنون معًا المستقبل. فالمجتمع والدولة والوطن ينتظرونكم أنتم الشباب والصبايا، وبخاصة أنتم الكشافة. أظهِرُوا الوفاء لشعبكم ودولتكم ووطنكم، لأن الوفاء قيمة كادت تُفقد اليوم في مجتمعاتنا. عيشوا الوفاء للوعد الذي أعلنتموه يوم دخلتم الكشفية، أي أن تخدموا الله والكنيسة والوطن بتجرّد وإخلاص وعطاء من دون حساب. ساهموا مع جميع أصحاب النوايا الطيبة بإعادة بناء الدولة ومؤسساتها لخدمة كل مواطن بالمساواة والعدالة وبإعادة بناء لبنان الوطن الرسالة، كما قال عنه القديس البابا يوحنا بولس الثاني، رسالة في المحبة والمصالحة والسلام والانفتاح واحترام التعدّدية في العيش الواحد المشترك. هذا هو لبنان وأنتم مسؤولون عن مستقبله. كلّنا ثقة بأنكم، يا إخوتنا الكشافة، قادرون على التضحية وبذل ذواتكم في خدمة وطنكم لبنان ليستمرّ وطنًا رسالة لكل بلدان العالم، وفي خدمة إخوتكم المواطنين، مسيحيين ومسلمين، ليبقوا على العهد ثابتين بأن يعيشوا معًا موحَّدين ومتضامنين في الاحترام المتبادل ومحافظين على الدستور والميثاق اللذَيْن يحفظان لكل مواطن الحق في العيش الحرّ الكريم. لا تستسلموا لمغريات هذه الدنيا بأموالها وسلطناتها! إلتزموا بمبادئكم المسيحية والكشفية وكونوا أوفياء ليسوع ومثالاً وقدوةً لإخوتكم الشباب والصبايا. فأنتم وحدكم قادرون على إقناعهم بأن المسيح هو طريقنا إلى الآب وإلى ملكوته السماوي. آمين.