مسيرة وقداس الأخويات إلى دير مار يوسف جربتا في عيد الاستقلال 22-11-2016

 

عظة المطران منير خيرالله

في قداس ذكرى تطويب القديسة رفقا وعيد الإستقلال- مسيرة الأخويات

الثلاثاء 22/11/2016، دير مار يوسف- جربتا

 245

« أما مريم فقد اختارت لها النصيب الأفضل ولن ينزع منها»

في العام 1985، تداعينا للمرة الاولى بعد تطويب الراهبة رفقا ولمناسبة عيد الاستقلال إلى مسيرة الأبرشية إلى ضريح الراهبة الطوباوية واليوم القديسة رفقا. وجئنا اليوم نحتفل معاً بعيدين: عيد القداسة وعيد الاستقلال. وبين الاثنين قرابة روحية ووطنية إذ هما ثمرة تضحيات شعب وجهود أفراد.

نحتفل أولاً بعيد القداسة في هذا الدير الذي بنته القديسة رفقا مع اخواتها الراهبات سنة 1897 في وادي القداسة والقديسين هنا في جربتا. وقررت أن تمشي مسيرة القداسة التي تعود بنا إلى الجذور، إلى روحانية أبينا مار مارون الذي استنبط روحانية نسكية في كنيسة انطاكيا، تعاش على قمم الجبال اي في القرب من الله وفي العراء وفي الهواء الطلق وفي الصلاة والتقشف والتجرد والبعد عن العالم وفي العمل في الأرض. وأتى تلاميذ مارون إلى جبال لبنان ثم إلى وديانه وحولوها إلى مراكز قداسة ومزارات لتمجيد الله. وأكملوا مسيرة الروحانية النسكية في القداسة.

هكذا أرادت القديسة رفقا. ثم طلبت ان تشارك المسيح في صليبه؛ فقبلت منه الآلام المبرّحة لكي تكرس ذاتها مع المسيح في سبيل التكفير عن خطايا كثيرة كانت ترتكب في عصرها كما قبله وبعده. وصارت القديسة رفقا شفيعة الألم والمتألمين وهي حاملة الرجاء لكنيستها وشعبها وصارت مثالاً وقدوة لنا جميعا. وأنا شخصياً اتخذتها شفيعة لي لأنني عشت بقربها منذ الطفولة ورافقتني في خدمتي الكهنوتية واليوم في خدمتي الاسقفية لتكون مثالي في الخدمة، خدمة شعب الله بالمحبة المجانية وبحمل هموم الناس والعيش معهم.

أما العيد الثاني، عيد الاستقلال، استقلال الوطن لبنان، فهو أيضا، كما مسيرة القداسة، احتاج إلى جهود وتضحيات كبيرة من شعبنا قدمها خلال التاريخ منذ بداية وجوده وحضوره على هذه الارض، هنا في الجبل المقدس. والقديسة رفقا كانت شاهدة على مرحلة من مراحل الاضطهادات التي تعرض لها شعبنا في مسيرة استقلال الكيان اللبناني ثم دولة لبنان الكبير ثم الجمهورية اللبنانية. وسنة 1860 بالذات يوم كان الموارنة والمسيحيون يذبحون في عهد الامبراطورية العثمانية، كانت القديسة رفقا تشهد في دير القمر على مذبحة أبناء شعبها. وكانت تصلي وتقدم آلامها وصلواتها في سبيل ان يصمد شعبها في إيمانه ومحبته ورجائه. وانتهت الحرب وعادت رفقا تؤسس من هذا الدير لمسيرة جديدة، وشعبها تابع مسيرته إلى أن توحد حول البطريرك العظيم الياس الحويك، ابن منطقتنا، الذي راح، بعد الحرب العالمية الأولى، يطالب الحلفاء باسم مواطنيه، مسلمين ومسيحيين، باعلان دولة لبنان الكبير؛ الكبير لا في جغرافيته وأرضه بل في دعوته ورسالته، لأنه وطن رسالة لكل بلدان وشعوب العالم؛ وطن رسالة في المحبة والمصالحة والسلام والانفتاح والعيش الواحد في الحرية والكرامة واحترم التعددية، تعددية الانتماءات الدينية والطائفية والحزبية والثقافية والحضارية. ونال ما طلبه اللبنانيون وأُعلن لبنان الكبير في الاول من ايلول سنة 1920. ثم مع البطريرك انطون عريضه أعلن استقلال لبنان سنة 1943.

نحتفل اليوم بعيد استقلالنا في أجواء ايجابية ومع رئيس جديد للجمهورية بعد فراغ دام حوإلى الثلاث سنوات. ونجدد رجاءنا بالرب يسوع الذي يدعونا أولاً إلى القداسة وثانياً إلى عيش الحرية والكرامة في ارضنا المقدسة التي قدسها هو شخصيا. وإننا اليوم، برجاء جديد، نَعِدُ الرب، بالرغم من كل تحديات العالم، ان نبقى موحدين متضامنين لنعيد بناء دولتنا ومؤسساتها وليبقى وطننا لبنان وطنا رسالة بفضل كل واحد منا، الكبار والصغار، بفضل المسؤولين المدنيين والسياسيين والدينيين وبفضل وحدتنا جميعاً.

لا تخافوا، نحن، بشفاعة قديسينا، اقوياء وسنبقى اقوياء كما علمتنا القديسة رفقا وكما علمنا جميع قديسينا منذ مار مارون، إلى مار يوحنا مارون، إلى مار شربل، إلى القديس نعمة الله والقديسة رفقا والاخ اسطفان وغيرهم الكثيرين غير المعلنين في عائلاتنا المباركة والمقدسة.

اليوم مع عائلاتنا واخوياتنا وابرشيتنا نتوجه إلى الله بالصلاة كي يباركنا، كي يبارك ويبارك تضحياتنا وجهودنا في سبيل استقلال مستمر وفي سبيل مسيرة مستمرة نحو القداسة. وجميعنا مدعوون إلى القداسة وإلى العيش بحرية وكرامة. آمين.

Photo Gallery