عظة المطران منير خيرالله
في قداس تكريم الخوري بولس الرقيبي
كنيسة السيدة دوما، الأحد 19/3/2017
« ولمّا قام يوسف من النوم فعل كما أمره ملاك الربّ» (متى 1/24).
حضرة الخوري بولس العزيز،
حضرة الأب جاك نقولا،
أحبّائي جميعًا،
نلتقي اليوم في عيد القديس يوسف رب العائلة، لنشكر الرب على نِعَمِه المجّانية لنا، وعلى الخوري بولس الذي خدم هذه الرعية الحبيبة دوما 46 سنة. قداسنا اليوم نقدّمه على نيّته هو الذي قدّم ذاته في خدمة الرعية.
نتوقف أولاً للتأمل بإنجيل عيد القديس يوسف. اختار الله الآب يوسف ابن داود لرسالة مميزة ليدخله في المغامرة الإلهية، سرّ حبّ الله للبشر، كما اختار مريم، ليجعل من ابنه يسوع إنسانًا مثلنا فيحمل إنسانيتنا ويتمّم التدبير الخلاصي بموته على الصليب وقيامته.
عندما شاء يوسف، الذي كان مخطوبًا لمريم، أن يأتي بها إلى البيت كما جرت العادة عندهم، اكتشف أنها حبلى وأنها ستكون مجالاً للشك ولكلام الناس، وهناك المصيبة الكبرى. وبما أنه كان رجلاً بارًّا، كما يقول متى في الإنجيل، قرّر أن يكتم هذه القضية ويعيد مريم إلى بيتها دون ضجة إعلامية ولا تشهير.
« فتراءى له ملاك الرب في الحلم وقال له: يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأتي بامرأتك مريم إلى بيتك. فإن الذي كُوِّن فيها هو من الروح القدس، وستلد ابنًا فسمِّه يسوع، لأنه هو الذي يخلّص شعبه من خطاياهم» (متى 1/20-21). وكانت مريم بدورها قد قالت نعم لمشيئة الله دون أن تفهم عمق هذا السرّ الإلهي: « ها أنا أمة الرب فليكن لي بحسب قولك».
« ولما قام يوسف من نومه، فعل كما أمره ملاك الرب»، لأنه أدرك أن إرادة الله هي لخلاص جميع البشر. فراح يعمل بصمت ويربّي يسوع ويسهر على العائلة المقدسة حتى آخر لحظة من حياته.
ونتوقف ثانيًا لتكريم الخوري بولس الرقيبي الذي قدم ذاته ليخدم في الكهنوت. فخدم رعية دوما ستًا وأربعين سنة تمامًا كما خدم بلدته ترتج. فهو ابن ترتج، ابن عائلة مسيحية من هذا الجبل المقدس، كما كل عائلاتنا.
في عمر مبكّر، امتحنه الله، كما امتحن العائلة، إذ فقد الوالد وهو في عمر ثماني سنوات. فحُرمت العائلة من الأب والعامل والمربي والساهر تاركًا للوالدة سبعة أولاد: ستة شباب وابنة واحدة. حملت الأم مسؤولية كبيرة، وكانت بمثابة الأب والأم معًا؛ وضحت كثيرًا ليصل الأولاد إلى ما وصلوا إليه اليوم. نزلت من ترتج وسكنت عند الرهبان اللبنانيين في جبيل وخدمت في المستشفى عندهم لسنوات وكانت تسهر على الأولاد. وأصرّت أن يدخل الخوري بولس إلى المدرسة لأول مرة في جبيل بعمر ثلاث عشرة سنة. كبر واكتشف دعوة الله له للخدمة في الكهنوت. فدخل المدرسة الإكليريكية في كرمسده بعمر تسع عشرة سنة؛ وأكمل دروسه اللاهوتية. وتزوج قبل سنته الأخيرة. واقتبل الدرجة الكهنوتية سنة 1965.
بدأ خدمته في ترتج يساعد خوري الرعيّة ثم في دوما إذ كانت البترون وجبيل نيابة بطريركية واحدة. فعُيّن الخوري بولس خادمًا لرعية دوما قبل أن يكون خادمًا لرعية ترتج. قدم ذاته لكم يا أبناء دوما وخدمكم وسهر عليكم كعائلته، إذ رزقه الله أربعة أولاد: ثلاثة شباب وابنة واحدة. لكن الله امتحنه بمرض زوجته التي خدمها ثماني سنوات مع أربعة أولاد صغار. وفي الوقت ذاته كان يخدم أهل رعية دوما وعائلاتها؛ إلى أن توفيت زوجته بعد صراع طويل مع المرض. وراح يعمل كما عملت والدته؛ فسهر على تربية العائلة والرعية في دوما وترتج كما أراد الله منه.
الشهادة التي تؤدونها اليوم للخوري بولس هي أنه كان الخادم المخلص والوفيّ حتى النهاية. أعتقد أنه لم يغب يومًا عنكم ولم يقصّر نهارًا واحدًا في خدمة الرعيّة بالرغم من العواصف والثلج وحرّ الطقس. كان المدبّر للرعية كما كان يوسف المدبّر للعائلة المقدّسة؛ وشعر أن عائلته الجديدة، رعية دوما، حمّلته مسؤولية أن يسهر عليها ويدبّر شؤونها وأن يكون إلى جانب كل عائلة؛ فكان الأب والمدبر والكاهن والأخ لكل واحد.
بعد ست وأربعين سنة، نجتمع اليوم لنقول له شكرًا على الخدمة الكهنوتية لأنه تمّم إرادة الله في كل واحد منا.
نشكرك أيها الخوري بولس لأنك كنت الأب والكاهن والخادم الأمين. نقدّمك اليوم إلى الربّ يسوع الكاهن الأبدي والأوحد الذي أخذت منه مثال حياتك الكهنوتية، فتشبهت به بتواضع وبخدمة صامتة وتضحية كاملة. شكرًا لله الآب الذي جعلك أبًا لهذه الرعية. شكرًا للروح القدس الذي أنارك وأنعم عليك لتكون المعلّم بين أبناء رعيتك.
نعتقد أننا نستطيع أن نَعِدَ الله والخوري بولس في قداسنا اليوم أننا سنكمل مسيرتنا والتزامنا في الكنيسة. ونحن الكهنة موجودون للخدمة أينما يطلب منّا الرب. ونحن في رعية دوما سوف نكمل العمل الذي قمت به يا خوري بولس طوال 46 سنة. سنبقى أوفياء لك وللرب الذي يجمعنا بمحبته اللامتناهية. نعدك بأن نبقى دائمًا قلبًا واحدًا ويدًا واحدة نتعاون مع الكاهن الذي يعينه لنا راعي الأبرشية باسم المسيح والكنيسة. نتعاون ونخدم لأن هذه هي رعيتنا وكنيسة المسيح المنفتحة ليس فقط على أبناء مارون إنما بحسب تقليد دوما منفتحة على إخوتنا الروم الأورثوذكس والروم الملكيين الكاثوليك. فنحن في دوما عائلة واحدة وكنيسة واحدة في المسيح يسوع بتقليد مختلف.
نطلب من الرب بشفاعة جميع قدّيسينا أن يبارك رعيتنا وكل عائلة من عائلاتنا لتبقى الخميرة الصالحة فتربي مستقبلاً لأولادنا وتنقل إليهم أصالة وتقليد إيماننا وشعبنا لكيما بدورهم يتحمّلوا مسؤولية المسيحيين الملتزمين في الكنيسة وفي المجتمع وفي الوطن. آمين.
كلمة الخوري بولس الرقيبي
في حفل وداعه في رعية دوما
19/3/2017
صاحب السيادة المطران منير خيرالله السامي الاحترام
حضرة الآباء الأجلاء
إخوتي أخواتي الأحباء
بعد مرور 46 عامًا على خدمتي في رعية سيدة النجاة في دوما تلك الرعية التي أحبتني وأحببتها والرعية إذا أحبت الكاهن قبلت منه كل شيء ولم يعد من صعوبة وهكذا المحبة كانت تذوّب الثلوج يوم كنت آتي سيرً على الأقدام وعندما أصل إلى دوما أنسى التعب ونعمة الله تفرّحني وتجاوب الشعب وحضوره أيضاً. وكانت الفرحة الكبرى عندما تمّ إنجاز بناء الصالة.
واليوم أردتم يا صاحب السيادة أن تكرموني مع لجنة الوقف والرعية فأنا اشكركم جزيل الشكر ولكن خدمتي التي قمت بها أعتبرها واجباً علي وأطلب من الله أن يطيل بعمركم لكي تبقى راعياً أميناً لأبرشية البترون وأن تبقى الرعية مزدهرة روحيًا وإنمائيًا وإجتماعيًا برعاية الأب جاك كما أنني أطلب المسامحة من الجميع لربما خلال خدمتي الكهنوتية صدر مني أي اهمال أو خطأ.
عشتم يا صاحب السيادة وعاشت رعية دوما.
كلمة الرعية في وداع الخوري بولس الرقيبي
دوما، الأحد 19 آذار 2017
سيادة راعي الأبرشية المطران منير خيرالله السامي الاحترام،
قدس الأرشمندريت انطونيوس سعد خادم رعية دوما للروم الارثوذكس،
حضرة الخوري جورج خوري خادم رعية دوما للروم الملكيين الكاثوليك،
حضرة الأب جاك نقولا خادمنا الاستثنائي بمحبة،
حضرة الخوري بولس الرقيبي،
عندما يسكن الإنسان قلب أخيه يصبح قطعة منه، بالتالي عندما يغيب أحدهما، يصبح الوداع لا قيمة له، لأن الفراق لا يقوى على تفرقة سكان القلوب عن بعضهم البعض! هذه الحالة هي حالتنا مع كاهن رعيتنا الحبيب الخوري بولس الرقيبي الذي نجتمع اليوم لنكرّمه وهو المترفّع عن تكريم البشر، إنّما هذا التكريم هو واحد من اللقاءات العديدة التي جمعنا به في المحبّة والتي ستظلُ تجمعنا ببعض !
فيا أبانا الحبيب لك منّا كلّ المحبّة وأنت الذي لم تبخل علينا بمحبّتك يومًا ! فكنت الخادم الأمين الذي عرف كيف يعطينا خبزنا في حينه، أنت الكاهن العابر للأبرشيّات وللرعايا ! ولا يمكن لنا أن ننسى التفاني الذي بذلته في رعيّتنا يوم كنت تأتي في العواصف لخدمة شعب الله في رعيّة دوما؛ فتارةً تتحدّى غزارة الثلوج وتأتينا على أل « سكي دو» وطورًا تتحدّى الجليد فيذوب عن الطرقات لعبورك الممنون إلينا.
عرفنا فيك القلب البسيط الصادق والنموذج الجميل للكاهن المارونيّ الجبليّ المُنفتح على جميع الكنائس الشقيقة، والذي لا يتورّع عن تلبية حاجات المؤمنين من الكنائس الأخرى عندما تدعوه الحاجة فيمُدّ الجسور بقوّة المحبّة بين الكنائس التي فرّقتها الخلافات بين الإخوة.
عرفنا فيك الكاهن المصلّي الذي تحلّى بروح التقوى والذي يشارك الروح مع بنيه وبناته، وعرفناك رجلاً قست عليه الأيام بمصائبها فاعتصم بقوّة ربّه لينتصر على الحزن بالفرح الذي وعده به سيّده ! عرفناك وجهًا طيّبًا دائم السعي إلى حلحلة المشاكل بالوداعة وبالحوار. عرفناك أنيس الطباع لطيف المعشر فطالت خدمتك لنا وطال فرحنا بك. إلى أن قررت التقاعد من خدمة الرعايا. ولكن يا أبانا الحبيب نحن نعلم أن الكهنوت لا تقاعد منه ! فأنت وإن تقاعدت عن خدمة الرعايا فستحملنا دومًا بصلاتك وسبتقى لنا الأب الحنون كما سنبقى لك الأبناء الأوفياء.
تغادرنا اليوم وعلى وجهك الفرح. فنشكر الله دومًا عن شخصك وعن خدمتك الوفيّة طوال ست وأربعين سنة. ونعاهدك على العمل معًا بقلب واحد لمتابعة ما أعطيته مجانًا في خدمة شعب الله في دوما، لتبقى رعيتنا عروسًا لا عيب فيها فنزفّها إلى ربّنا يسوع المسيح له المجد والتسبيح وعلينا المراحم إلى أبد الآبدين. آمين.