عظة المطران منير خيرالله
في قداس تكريم الأمهات في رابطة الأخويات إقليم البترون
كنيسة مار شربل عبرين، في 20/3/2017
الخوري ادمون رزق المرشد العام للأخويات في لبنان،
الخوري يوحنا مارون مفرج مرشد الأخويات في البترون،
أبائي المرشدين الإقليميين،
أبائي الأجلاء،
حضرة الأستاذ جوزيف عازار رئيس الرابطة،
الأستاذ إيلي صفير الرئيس السابق،
أخواتي المنتسبات إلى أخويات الأم،
إخوتي الأحباء،
مريم المرأة والأم:
مثال لكل امرأة ولكل أم
يوم البشارة أرسل الله ملاكه إلى فتاة عذراء مخطوبة لرجل من بيت داوود إسمه يوسف واسم العذراء مريم. جاء الملاك يبشرها بخبر أنّها هي الفتاة والعذراء سوف تكون أمًّا لإبن الله الذي سيصير إنسانًا منها ويخلّص شعبه. أجابت مريم: « ها أنا أمة الرب فليكن لي بحسب قولك» (لوقا 1/26). أنا الخادمة أسلّم ذاتي لمشيئة الله.
بعد البشارة ذهبت مريم مسرعةً إلى أليصابات نسيبتها وهي حبلى في الشهر السادس لكي تخدمها. فاستقبلتها أليصابات بفرحٍ وقالت « من أين لي أن تأتي إليّ أمّ ربيّ». (لوقا 1/43). فقالت مريم نشيدها: « تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلّصي لأنّه نظر إلى أمته المتواضعة» (لوقا 1/46-48). الملاك وإليصابات يتكلمان عن مريم أنها « أم القدوس ابن الله» و« أم ربّي»؛ أما مريم فتتكلم عن نفسها أنها الخادمة المتواضعة.
رافقت مريم يسوع وربّته مع يوسف بكل تواضع وبساطة، بحسب تقاليد شعبها وإيمانها وثقتها بالله. وعندما بدأ يسوع رسالته الخلاصية العلنيّة، في عرس قانا الجليل، « كانت أم يسوع هناك»، كما يقول يوحنا في إنجيله. « فقالت ليسوع أمّه... فقال لها يسوع: ما لي ولك يا امرأة» (يوحنا 2/1-4). يوحنا يقول عن مريم انها أم يسوع؛ أما يسوع يقول لها « يا امرأة».
مريم كانت حاضرة للخدمة ولكن مخفية مع عائلة العريس. فانتبهت لنفاد الخمر، وطلبت من ابنها وكانت « الآية الأولى».
رافقت مريم ابنها يسوع في كل تنقلاته وجولاته التعليمية، ولكن من بعيد. « وجاءت أمه واخواته»، يخبر مرقس. فقال له الناس: « إن أمك وإخوتك في الخارج يطلبونك. فأجابهم: من هي أمي ومن هم اخوتي ؟ هؤلاء هم أمي واخوتي؛ لأن من يعمل بمشيئة الله هو أخي وأختي وأمي» (مرقس 3/31-35).
ورافقته حتى الصليب. « هناك عند صليب يسوع وقفت أمّه»، يقول يوحنا. « فرأى يسوع أمّه وإلى جانبها التلميذ الحبيب إليه. فقال لأمّه: أيتها المرأة هوذا ابنك. ثم قال للتلميذ هذه أمّك. ومنذ تلك الساعة استقبلها التلميذ في بيته» (يوحنا 19/25-27). حتى عند الصليب يسوع ينادي أمه « أيتها المرأة»، ويعيطها أمًّا ليوحنا وللبشرية وللكنيسة من خلاله.
« كلمات يسوع على الصليب، يقول البابا فرنسيس في إرشاده الرسولي فرح الإنجيل، لا تعبّر عن الشفقة على أمّه بل هي كلمات وحيٍ تعلن سرّ المشروع الخلاصي». هكذا أراد يسوع أن يجعل من أمّه أمًّا لنا وللكنيسة. وبعدما فعل هذا، قال: « كل شيء قد تمّ. وأسلم الروح» (يوحنا 19/28).
« عند أقدام الصليب، يتابع البابا فرنسيس، في هذه الساعة العظيمة من الخليقة الجديدة، يقودنا يسوع إلى مريم» (عدد 284).
يريد منا يسوع أن لا نسير في طريق الخلاص من دون أم، ويريد أن يقرأ الشعب دومًا في صورة الأم كل أسرار الإنجيل؛ ولا يرضى بأن تفتقد الكنيسة أيقونة المرأة الأم: هي التي ولدته بكثير من الإيمان والثقة والتسليم لمشيئة الله؛ تمامًا كما هو تممّ رسالة الخلاص وتدبير الآب الخلاصي بتسليم كامل لمشيئة الآب.
وحتى بعد القيامة، يقول لوقا في كتاب أعمال الرسل، كانت مريم حاضرة: وكان الرسل والأخوة « يواظبون جميعًا على الصلاة بقلب واحد، مع بعض النسوة ومريم أم يسوع ومع إخوته» (أعمال 1/14).
نلاحظ الارتباط الحميم والوثيق بين مريم والكنيسة. فمنذ دخولها في المغامرة الإلهية لحظة قالت نعم، وحتى موت يسوع وقيامته وبعد ذلك مع انطلاقة الكنيسة، تبقى مريم المثال والقدوة في الكنيسة لكل امرأة ولكل أم في عيش القيم الثلاث: التواضع والخدمة والمحبة حتى النهاية في تسليم كامل لمشيئة الله.
وفي ما نعيّد اليوم معكم الأم والمرأة ، نطلب من الله أن تكون مريم مثالاً وشفيعة وقدوة مباركة لكل امرأة ولكل أم من بينكم. وجميعكم قد تربّيتم في عائلات مباركة ومقدسة على الإيمان بالله والتسليم الكامل لمشيئته الخلاصية. وقد تحمّلت عائلاتنا على مثال مريم المحن والاحتلالات والاضطهادات والتهجير، وبقيت صامدة في إيمانها، إيمان كنيستنا وشعبنا، والتزمت بعيشه في حياة كل يوم وبنقله إلى الأجيال اللاحقة، متشبّهة بالعائلة المقدسة.
نقدم صلاتنا في هذا القداس على نية كل أم وامرأة، على نية كل عائلة، وعلى نية أخوياتنا، طالبين من الله، بشفاعة أمنا مريم التي رافقت شعبنا وكنيستنا وبطاركتنا في حلّهم وترحالهم، أن يبقيها لنا مثالاً وقدوةً وأيقونة للمرأة والأم في بيوتنا.
ونطلب من يسوع الابن أن يقودنا دومًا إلى مريم لكي نتمّم مشيئة الآب في حياتنا وفي تربية أولادنا بنعمة ومحبة الروح القدس. فنلبّي دعوته إلى القداسة ونحن في أبرشية القداسة والقديسين. آمين.
قداس تكريم الأمهات في رباطة الأخويات إقليم البترون
كنيسة مار شربل عبرين، 20/3/2017
مقدمة القداس (دعد عبود)
سلام الرب معكم دائمًا،
اخواتي، اخوتي...
نجتمع في هذا المساء برعاية سيادة أبينا وراعينا مار منير والآباء المرشدين، وبمشاركة عائلة الأخويات في أبرشيتنا، أبرشية القديسين والقديسات، وحضور اللجنة المركزية مرشدًا ورئيسًا وأعضاءً.
لقاؤنا اليوم لنحتفل معًا بعيد الأم. فمهما حاولنا أن نعبّر عما بداخلنا لأعظم إنسانة في الكون، فالكلمات والحروف لن تكفي، فهي من أنار طريق حياتنا، هي من أرشدنا للصواب، وتحملت متاعب ومصاعب الحياة من أجلنا هي من سهرت الليالي من أجل راحتنا، فهي شمس الكون وقمر الليل، نعم هي الأم.
نطلب منك أيها الرب الإله، أنت يا من قبلت أن تتجسد وتتواضع ويكون لك أمًا على الأرض لأجل خلاص العالم، نطلب منك أن تمنح الأمهات الصحة والسلام الداخلي والثبات لتربية أبنائهن التربية الصالحة، التربية المسيحية التي تليق بأبناء الملكوت لكي يقدمن للمجتمع جيلاً متمتعًا بكل الفضائل المسيحية.
وأنت يا مريم، يا مثال كلّ أمّ أحبّت فقبلت؛ أحبَّت فحملت؛ أحبّت فولدت، أحبّت فربّت، أحبّت ففتّشت عن إبن أضاعته يوم زارت أورشليم، أحبّت فعلّمت؛ وفي مدرستها كان الابن ينمو بالقامة والحكمة والنعمة؛ أحبّت فأطاعت الله في ما خططه في حياة وحيدها؛ أحبّت فقبلت سيف الألم الحارق يخترق قلب الأم العذب؛ أحبّت فقبلت أن ابنها ليس ملكها، بل هو عطيةُ الله، كلمة الله ومخلّص العالم.
باركي يا مريم كلّ الامهات وامنحيهنّ نعمة التشبه بصمتك ووفائك وإخلاصك وطهارتك وعفتك لكي يكن أمهات صالحات. آمين.