عظة المطران منير خيرالله في رسامة الخوري شربل طنوس كنيسة سيدة الانتقال- تنورين الفوقا، السبت 13/10/2018 « أَكمِلْ خدمتَك إلى التمام» (2 تيمو 4/5). إخوتي الكهنة، أخواتي الراهبات، أحبائي أبناء وبنات نيحا وتنورين والأهل والأصدقاء. نرفع معًا التسبيح والمجد والاكرام إلى الله الآب والابن والروح القدس على نعمة الكهنوت التي يعطيها اليوم لأبرشيتنا بابنها شربل، ابن رعية نيحا الحبيبة. أيها العزيز شربل، تقدمك نيحا وتنورين اليوم إلى الكهنوت لخدمة شعب الله، وقد اختارك الرب يسوع، الكاهن الأوحد والأبدي، ودعاك ليشركك في كهنوته الخِدَميّ؛ وهو يسألك كما سأل يومًا سمعان بطرس: يا شربل أتحبني أكثر مما يحبني هؤلاء ؟ وأنت تجيب بثقة كاملة: نعم يا رب، أنت تعرف أني أحبك حبًا شديدًا. أنت تعلم كل شيء، وأنت تعلم أني أحبك حبًا شديدًا. فيقول لك: إرعَ حملاني، إرعَ خرافي. (راجع يوحنا 21/15-19). وتسمع القديس بولس يقول لك، كما قال لتلميذه تيموتاوس: « أما أنت فكنْ متقشفًا في كل أمر، وتحمّلْ المشقات، واعمل عمل المبشِّر، وأكملْ خدمتك إلى التمام». هذا هو الشعار الذي اخترتَه للخدمة الكهنوتية التي أنت مقبلٌ عليها. وهذا ما ستفعله لأنه يتلاءم تمامًا مع تربيتك ومع شخصيتك. فأنت ابنُ نيحا، القرية الوادعة على قمة الجبل والمنعزلة عن العالم كأنها محبسة من محابس جبالنا وودياننا التي أنجبت قديسين. وأنت ابن عائلة مسيحية متواضعة وملتزمة بعيش إيمانها المسيحي وبالقيم الإنجيلية والتقاليد المارونية؛ تربيت فيها مع شقيق وخمس شقيقات، منهن راهبتان في جمعية راهبات الزيارة: الأخت ماري فرنسواز والأخت ماري إيلينا. بعد دروسك الابتدائية في نيحا والتكميلية في بزيزا والمهنية في دوما، دخلت المدرسة الإكليريكية في كرمسده. وكنتُ قد تعرّفت إليك قبل ذلك في خلال المخيمات الرسولية الأبرشية التي كنتُ أقوم بها في نيحا ورعايا المنطقة. فلفتني التزامك المسيحي واهتمامك بخدمة الكنيسة والرعية، كما لفتتني جدّيتك في التعاطي مع الشؤون الدينية والكنسية واستعدادك لتحمّل المسؤولية في جمع الأولاد للصلاة والتعليم المسيحي والكبار لسهرات إنجيلية وساعات سجود. ورافقتك بعد دخولك المدرسة الإكليريكية في أول تشرين الأول 2009، وكنتَ قد اكتشفت أن يسوع يدعوك إلى الكهنوت. وكانت ملاحظات المسؤولين عنك في خلال السنوات الخمس التي قضيتها في التنشئة: « إنسان ناضج، مصلّي، ملتزم، جدّي وراغب في تحصيل العلم والمعرفة ». وقلتَ لي عند تخرّجك في حزيران 2014: « أشكرك يا سيدنا لأنك زرعت فينا روح الإنتماء إلى الأبرشية- الكنيسة المحلية، والتعلّق بهوّيتنا المارونية ». وبدأت خدمةً راعوية في رتبة الشدياقية ثم الشماسية في رعية تنورين الفوقا مع الخوري بيار طانيوس وترافق بخاصة الفرسان والطلائع والشبيبة. وفي خلالها تعرّفت إلى ميريم كرم، ابنة الكنيسة والرعية وملتزمة مع الطلائع والشبيبة والجوقة ومسؤولة فرسان العذراء. ومشيتما معًا حتى الزواج في 17 أيلول 2016. ورافقتُكما لفترة طويلة في مسيرة التحضير للزواج وللكهنوت. وأذكر أنه في أحد لقاءاتي معكما، قالت لي ميريم: « تساءلتُ كيف يوفّق الكاهن بين واجبات الخدمة الكهنوتية وواجبات العيلة والبيت. لا أريد أن يقصّر شربل في خدمته الكهنوتية، كما لا أريد أن يقصّر في واجباته العائلية مع زوجته وأولاده؛ إذ لا يمكن أن أتصوّر تربية أولادي في غياب والدهم شربل. حضور الأب بالقرب من الأولاد مهمّ بقدر ما هو مهم حضور الكاهن بالقرب من أبناء رعيته. الحلّ يكون في أن ينظم شربل وقته بين الرعية والبيت. وأنا أكون إلى جانبه لأساعده في ذلك. لا أحب أن أتدخل في شؤون زوجي الكاهن. ولكني سأبقى على التزامي المسيحي؛ وسأضع نفسي في تصرّف كل ما يطلب مني لأي نشاط في الرعية من دون أن أتدخل في تفاصيل الشؤون الرعائية». وأنا متأكد، ايها العزيز شربل، أنك ستنجح في تأدية خدمتك المزدوحة لأنك تضع كل ثقتك بالرب يسوع الذي يمنحك اليوم سرّ الكهنوت وموهبة الروح القدس بوضع يديّ الحقيرتين بعد أن كان منحك كل حبّه في سرّ الزواج المقدس. فتشترك بذلك في كهنوت المسيح الذي ستتّحدُ به، ومن خلاله تدخل في شركة خاصة مع الثالوث الأقدس الآب والابن والروح القدس. وتشترك من ناحية ثانية بمهمتي الأسقفية في خدمة التعليم والتقديس والرعاية لشعب الله. لذا فانه لا بدّ لك من أن تعي أن كهنوتك ينبع من كهنوت المسيح ويكوّن فيك وثاقًا جوهريًا مميّزًا يربطك بالمسيح من خلال الأسقف ويجعل منك صورةً حقيقية له وممثلاً له في رعاية شعبه. (راجع القديس البابا يوحنا بولس الثاني، أعطيكم رعاة، والمجمع البطريركي الماروني، النص السابع). وأنا أصلّي من أجلك كي تكمل خدمتك إلى تمامها وتؤدي حسابًا، يوم يدعوك الرب إليه، عن الوديعة التي تتسلّمها اليوم لخدمة شعبه. لذا فاني أدعوك إلى أن تعّمق اتحادك الروحي بالمسيح لكي تكون علامة لحضوره في حياتك وفي العالم، وأن « تنهل من قداسة من هو نبعُ القداسة الذي اصطفاك ودعاك وكرّسك لخدمته بالكمال والنقاوة والقداسة»، كما يقول الخوري يواكيم مبارك. وأصلي من أجل عائلتك الحاضرة هنا حولك وحول والدك المختار، وعائلة شقيقتك رينيه في أستراليا وعائلة شقيقتك ميرفت في كندا. ومن أجل رعيتك نيحا، ورعية تنورين التي خدمت فيها، ومن أجل جميع الذين تعبوا في تنشئتك في الأبرشية وفي إكليريكية مار أنطونيوس البادواني كرمسده والجامعة الأنطونية وفي مرافقتك حتى الزواج وحتى الكهنوت. وصيتي لك هي ما نقرأه في ختام رتبة رسامة الكاهن ويشجعنا المكرم البطريرك اسطفان الدويهي على التذكير به: « عليك أن تعرف يا ابني أنك تراب وإلى التراب تعود، وكما دخلت العالم بلا شيء فبلا شيء تخرج منه، ولا يصحبُك غيرُ أعمالك إن خيرًا وإن شرًا، وجزاؤك على قدر اجتهادك.... واعلَمْ أيةَ درجةٍ قبلتَ اليوم وأية وديعةٍ استودعك الله، فأقامك في بيعته المقدسة مدّبرًا وراعيًا لخرافه الناطقة ومؤتمَنًا على الوزنات، وأهّلك لقبول جوهرة جسد المسيح إلهنا ومخلصنا ودمه المحيي اللذَيْن ستقسمهما بيديك وتزّيحهما براحتيك وتمسكهما بأناملك. فقدّم الشكر لله على ما أولاك من مواهب وكن مستعدًا لاقتبال ما ألقى على عاتقك الله الذي ألبسك هذه الحلّة الشريفة. وعليك أيضًا أن تكون وديعًا ومتواضعًا محبًّا للتجرّد والتقشف. أحبب الصوم المنزّه عن الرياء، والصلاة بلا ملل... وإني أستودعك الله ونعمتَه التي حلّت عليك اليوم وهي تقودك في سبيل الحياة. ولله المجد والحمد والشكران الآن وإلى أبد الآبدين. آمين.