كلمة المطران منير خيرالله
في اجتماع الكهنة الشهري
السبت 6/6/2020
إخوتي الكهنة،
نعمة سيدنا يسوع المسيح، ومحبة الله الآب، وشركة الروح القدس تكون معكم جميعًا.
نلتقي بعد غياب طويل وقسري.
ونقول مع بولس الرسول: « أنتم مشتاقون إلى رؤيتنا كما نحن مشتاقون إلى رؤيتكم. لذلك تَعزَّينا بكم، أيها الاخوة، في شدّتنا وضيقنا، بفضل إيمانكم. وإننا الآن نحيا، بما أنكم ثابتون في الرب. فأيّ شكر نستطيع أن نؤدي إلى الله من أجلكم». (1 تسالونيكي 3/6-8).
وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي فرضها وباء كورونا والحَجر الصحي والعزل الاجتماعي، استطعنا أن نبقى على تواصل دائم.
فمنذ البداية، دعونا إلى الثبات في الإيمان وعدم التسليم للخوف. (تعميم 1 في 4/3/2020).
التزمتم بالتدابير التي اتخذناها وحملتم معنا همّ شعبنا وبقيتم قريبين من أبناء رعاياكم. والتزمتم بروح الانتماء إلى الكنيسة المحلية وحملتم رسالة الخدمة. فالشكر للرب عنكم جميعًا.
أذكر خبراتكم التي كتبتموها في الأحد الأول بعد إعلان حظر التجول، في 22/3/2020. وكتبتُ إليكم قائلاً: « أشكر الرب عنكم، وأشكركم على التزامكم الكامل بالتدابير المتخذة لحفظ سلامة الجميع، وأقدّر تواصلكم المستمر مع أبناء رعاياكم بالحضور بالصلاة ليحمينا الله بشفاعة القديسة رفقا، شفيعة المتألمين، وفي ليلة عيدها، من الكورونا ومن كل وباء ومرض. خبرةٌ طعمها مرّ وشعور غريب أن نحتفل بالقداس من دون المؤمنين، ربما للمرة الأولى في حياتنا الكهنوتية.
هذا ما أعادني إلى خبرة شعب الله مع ابراهيم واسحق ويعقوب وموسى ويشوع والملوك والأنبياء. خبرة مرّت بكل الامتحانات، حتى بالجحود والغربة عن الله. ولكن الثابت كان حضور الله في شعبه.
خبراتكم مؤلمة، ولكنها غنية بالتزامكم وقربكم من شعب الله الموكل إليكم».
وعندما أعلنّا عن المبادرات التعاضدية التي تذكِّرنا بحياة المسيحيين الأولين، كنتم أول من لبّى النداء وأول من ساهم عمليًا وفعليًا في التطبيق. وكنا معًا مثالاً لشعبنا في الأبرشية في الخدمة والتعاضد والعطاء.
عشنا أيامًا صعبة، ولكننا لم نفقد رجاءنا بالمسيح الحاضر معنا. فتذكرنا الجماعة المسيحية الأولى التي عرفت هي أيضًا الحَجْر والعزلة والخوف والقلق على المصير في العلّية. « وكانوا يواظبون جميعًا على الصلاة بقلب واحد، مع بعض النسوة، ومريم أم يسوع» (أعمال 1/14). « وكانوا يجعلون كل شيء مشتركًا بينهم» (أعمال 2/44).
قضوا خمسين يومًا بالجمود بالإنعزال والانتظار، انتظار تحقيق الوعد الذي قطعه يسوع لهم، ألا وهو مجيء الروح القدس.
فاجأهم الروح القدس في يوم العنصرة فحوّل كل شيء فيهم.
وكان يسوع قد فاجأهم بعد قيامته: « في مساء ذلك اليوم، يوم الأحد، كان التلاميذ في دارٍ أُغلقت أبوابها خوفًا من اليهود؛ فجاء يسوع ووقف بينهم وقال لهم: السلام عليكم ! كما أرسلني الآب أرسلكم أنا أيضًا. قال هذا ونفخ فيهم وقال لهم: خذوا الروح القدس» (يوحنا 20/19-22).
اختبرنا في هذه الفترة الحجر والعزلة والخوف والقلق... اختبرنا ضعفنا وهشاشتنا الإنسانية وعدم قدرتنا على المواجهة، ربما خوفًا من العدوى.
ولكن أيضًا اختبرنا إيماننا وإيمان شعبنا وشبيبتنا بنوع خاص.
اختبرنا تنوّعنا وتعدّديتنا وتنوع مواهبنا؛ واكتشفنا أن الروح هو الذي يوحّدنا في الكنيسة شعب الله. واكتشفنا أننا جميعًا أبناء محبوبون من الله، متساوون ومختلفون. اكتشفنا أن يسوع لا زال يصلي من أجلنا، كما صلّى لرسله ليلة آلامه وموته، قائلاً: « يا أبت، لا أسألك أن تُخرجهم من العالم، بل أن تحفظهم من الشرير» (يو 17/15).
اختبرنا ما عاشه القديس بولس، وكتب إلى أهل قورنتس: « يُضيَّق علينا من كل جهة ولا نُحطَّم، نقع في المآزق ولا نعجز عن الخروج منها، نُطارَد ولا نُدرك، نُصرع ولا نهلك، نحمل في أجسادنا كل حين موت المسيح لتظهر في أجسادنا حياة المسيح أيضًا» (2 قور 4/8-10).
أما اليوم، بعد الكورونا، علينا أن نختار:
إما أن نكون مثل تلميذي عماوس قبل الإيمان بالقيامة إذ كانا يتحادثان ويتجادلان وهما مكتئبان ومشكّكان بقيامة يسوع (لوقا 24/13-21)... ونحن اليوم نتحادث ونناقش ونتجادل في أمور ولّت، ونقلق على مصيرنا، بينما يسوع يسير معنا في الطريق وعيوننا محجوبة عن رؤيته.
وإما أن نكون مثلهما بعد أن انفتحت أعينهما وعرفا يسوع فتوارى عنهما. لكنه حوّل حياتهما من اليأس إلى الرجاء، وأعطاها معنًى جديدًا وزخمًا جديدًا للرسالة وحمل البشرى ولإعلان موت وقيامة المسيح، الحدث المؤسس لإيماننا المسيحي. وعندما نتعرّف إلى المسيح نترك ما وراءنا ونتطلّع إلى ما هو أمامنا وإلى ما ينتظرنا من تحديات بزخم جديد.
حدثُ القيامة وعملُ الروح وحضورُ المسيح معنا وبيننا يدفعوننا إلى اختبار حضور المسيح الحيّ وإلى إعلان الخلاص والعمل معًا على بناء عالم جديد.
إننا مدعوون، كما يقول قداسة البابا فرنسيس في عظة أحد العنصرة (31/5/2020)، إلى أن نبني عالمًا أفضل بعد وباء كورونا، وإلى أن نتجنّب تحدياتٍ أو أمراضًا ثلاثة:
1- النرجسيه Narcissisme، اي الولع بالذات وعبادة الذات.
2- الشعور بأننا ضحيّة le sentiment d’être victime عندما أقول: لا أحد يفهمني، لا أحد يساعدني، لا أحد يحبني، الجميع ضدي.
3- التشاؤم Pessimismeمن كل شيء وعلى المستويات جميعها.
إنه من الضروري أن نعيش الرجاء ونشهد له، وأن نطوّر قدرتنا على الإصغاء، الواعي والمليء بالرجاء، لصوت الله في حياتنا لنكتشف الطريق التي يريد هو أن نسلكها، وعلى الإصغاء لبعضنا البعض.
إنه من الضروري أن نعترف بغنى تنوعنا ومواهبنا وبتكامل بعضنا البعض لخدمة كنيستنا وشعبنا بتواضع وتجرّد وسخاء. هذا ما يدعونا إليه المكرّم البطريرك الياس الحويك وآباؤنا القديسون، وتعلّمنا أياه العذراء مريم أمنا ورفيقة دربنا.
هل نؤمن حقًا أن الروح يجمعنا ويوحّدنا ويعمل في كل واحد منا ويجعلنا أبناء الله ؟ فلنعمل بموجب ذلك.
في ختام كلمتي أضعكم في أجواء ما تعمل عليه « اللجنة البطريركية العليا للإغاثة» لوضع خطة تنفيذية لمساعدة العدد الكبير من العائلات المسيحية المعوزة، على مستوى التغذية والصحة والزراعة، بالتعاون مع الأبرشيات والرهبانيات والمؤسسات العاملة على الأرض في الشأن الإجتماعي.
وتطلب اللجنة معلومات دقيقة عن وضع هذه العائلات عن طريق ملء استمارة سترسلها إلينا ويعمل كل كاهن على إنجازها ونجمعها في معلوماتنا في الأبرشية.