عظة المطران منير خيرالله
في دفن العريف الشهيد اسطفان سعيد روحانا
كاتردائية مار اسطفان- البترون، 10/8/2020
« لأن ابن الإنسان جاء يبحث عن الهالكين ليخلّصهم» (لوقا 19/10)
أحبائي جميعًا أبناء البترون وأبناء مؤسسة الجيش اللبناني،
أيها الأصدقاء والأحباء.
بدموعٍ سخيّة وقلوب مفجوعة على قدر الفاجعة التي ضربت بيروت ولبنان، تودّع البترون ومؤسسة الجيش اللبناني فقيدهما الغالي العريف الشهيد اسطفان روحانا.
ولكننا، مع دموعنا والفاجعة، نبقى أبناءَ إيمان وأبناءَ رجاء بالمسيح ابن الله الذي وعدنا جميعًا بالخلاص. يسوع المسيح ابن الله جاء بيننا انسانًا ليتمّم مشيئة الله الآب، أي أن يخلّص جميع البشر من دون استثناء ولا تمييز، أن يخلصهم بموته على الصليب وبقيامته. إنه القربانُ والمقرِّب، إنه الضحية عن البشر أجمعين. ولأن الله محبة، ولأن الله يحب البشر، أراد أن يخلّصهم أجمعين بموت وقيامة ابنه الوحيد يسوع المسيح.
هذا هو إيماننا، الإيمان الذي ترّبينا عليه في عائلاتنا وفي كنيستنا وفي شعبنا وفي وطننا لبنان. وهذا هو الايمان الذي تربّى عليه فقيدنا الغالي اسطفان سعيد روحانا، إبن السادسة والعشرين، إبن البترون، إبن عائلة متواضعة مثل كل عائلاتنا وملتزمة بعيش إيمانها وبعيش القيم التي ميّزت البترون وميّزت شعبنا وكنيستنا على مرّ الأجيال. تربى في عائلته على أن يخدم الله وأن يخدم القريب وكل إنسان، وأن يخدم الوطن. لذلك راح ينخرط في مؤسسة الجيش اللبناني في القوات البحرية ليخدم بشرف وتضحية ووفاء؛ ليخدم الوطن وشعبه والمواطنين جميعًا من دون أي مصلحة، فقط لكي يقدّم ذاته فداءً عن الوطن ويحميه ويحمي المواطنين.
إن اسطفان اليوم، ومع كل الضحايا الذين سفكوا دماءهم في هذه الفاجعة الكبيرة، ومع جميع الشهداء الذين ضحوا منذ أكثر من 45 سنة، يدخل ملكوت الآب السماوي وهو يفتخر بأنه يحمل شعبه ويخدمه من السماء كما خدمه هنا على الأرض. إن اسطفان روحانا يدعونا جميعًا، مسؤولين ومواطنين، الى أن نتّعظ ونعتبر في حياتنا اليوم.
إني أرى المسيح اليوم، يسوع المسيح ابن الله، الحاضر معنا أمس واليوم والى الأبد، يدخل من جديد لبناننا ليقول لنا: إن ابن الانسان إبن الله جاء يبحث عن الهالكين ليخلّصهم؛ لأن الله يحبّ جميع اللبنانيين وجميع البشر الذين خلقهم على صورته كمثاله. وإني أتصور يسوع المسيح اليوم بعد هذه الفاجعة الكارثة يقول للمسؤولين، جميع المسؤولين: من دلّكم على الهرب من السخط الآتي، من الدينونة ؟ لكن، بانتظار الدينونة، الله يحبكم.
يا أيها المسؤولون، جميع المسؤولين على مرّ السنين، الله يحبكم ويريد خلاصكم كما يريد خلاص شعبنا كله. إسمعوا يسوع اليوم، إفتحوا آذانكم وعيونكم وضمائركم وقلوبكم واتّعظوا، ولتكنْ عندكم جرأةُ زكا العشار لتقوموا بفعل توبة صادق وتقفوا أمام الشعب كله وتقولوا: يا رب، سنعطي نصف مقتنياتنا للشعب والفقراء، وإذا كنا ظلمنا أحدًا سنردّه إليه أربعة أضعاف! فتكونوا ساعتئذٍ أنتم أيضًا من أبناء ابراهيم وتنالوا الخلاص قبل أن يفوت الأوان. وأنتم قادرون على ذلك، فافعلوا !
بهذا الرجاء الذي نرفعه إلى الله مع أخينا اسطفان نتقدم بالتعزية الحارة والقليبة من مؤسسة الجيش اللبناني، قادةً وضباطًا وعناصر، ونشدّ على أيديهم ونقول لهم: أنتم حماة الوطن، تابعوا تضحياتكم حتى النهاية ولا تخضعوا إلاّ لربكم ولخدمة وطنكم. ونتقدم بالتعزية من عائلة الشهيد، والديه وشقيقته وهو وحيد، وآل روحانا وأبناء وبنات البترون، طالبين من رب الحياة أن يقبله لديه مع الشهداء والابرار والصديقين كي يكون من فوق شفيعًا لنا في هذه الكارثة العصيبة ورسولاً لإخوته الشباب، شباب لبنان اليوم، ويقول لهم: تعالوا نتكاتف ونضحي ونخدم وطننا حتى النهاية، فنموتَ بفخر ورأس مرفوع مضحّين من أجل وطننا، لأن وطننا لبنان هو وطنٌ رسالة، وطن المحبة، وطن الأخوّة والسلام والعيش الواحد واحترام التعددية، كما قال قداسة البابا فرنسيس البارحة من الفاتيكان. ونعلنُ للعالم أننا باقون وأننا مع اسطفان الشهيد وكل الشهداء سنبني الوطن من جديد، وسنبني دولةً تليق بنا نعيش فيها بحرية وكرامة وفخر ونربّي أولادنا فيها. لبنان يكبر فيكم يا شهداءنا ويكبر في كل واحد منا. آمين.