عظة المطران منير خيرالله
قدّاس في رعيّة القديس أنطونيوس البادواني في الجميّزة- بيروت
الأحد ٦/٩/٢٠٢٠
« إيمانكِ خلّصكِ، إذهبي بسلام» (لوقا 7/36-50)
أبونا داني (الجلخ)، خادم الرعية
أحبائي جميعًا.
بتأثّر كبير أنا معكم اليوم باسم راعي أبرشيّتكم الحبيب المطران بولس عبد الساتر لكي أشارككم محنتكم ومآسيكم وحزنكم وإيمانكم ورجاءكم، يرافقني وفد من أبرشية البترون يضم شبيبة الأخويات والحركة الرسولية المريمية.
أنا معكم اليوم لكي أعزّيكم بضحاياكم وأصلّي لشفاء جرحاكم ولعودة أهلكم، ولكي أقول لكم كما قال يسوع في إنجيل اليوم للمرأة الخاطئة: إيمانكم خلّصكم!
ثم قال أمام الجميع: « مغفورة لها خطاياها الكثيرة لأنها أحبّت كثيرًا». يريد منا الله أن نبادله المحبة، لأنه محبة وخلَق الإنسان على صورته كمثاله ليعيش المحبة. وبالرغم من خطيئة الإنسان الأول، لم يقدر الله أن يتعامل معه إلا بالمغفرة والمحبة. وأحبّه لدرجة أنه أرسل ابنه الوحيد يسوع المسيح لكي يتبنّى البشرية الضعيفة ويموت عنها على الصليب ليفتديها ويعطيها الحياة الجديدة بقيامته.
يقول لنا يسوع أن لنا أبًا في السماء يحبنا ويسهر علينا ويعرف ما نحتاج إليه حتى قبل أن نطلب منه؛ أبًا حاضرًا في حياتنا ليحبّنا ويغفر لنا ويدعونا إلى محبة القريب بالتضحية وبذل الذات وحمل الصليب، فنستحق بذلك دخول الملكوت.
لقد تعوّدنا في لبنان، وبخاصة نحن المسيحيين، على حمل الصليب في مواجهة الكوارث والحروب والاطضهادات التي مرّ علينا الكثير منها عبر تاريخنا الطويل. وآخرها كانت الحرب التي اندلعت سنة 1975، ولم تنتهي بعد، وعانينا ولا زلنا نعاني من ويلاتها في الاستشهاد والنزوح والهجرة والأزمة المعيشية والاقتصادية والاجتماعية، حتى وصلنا إلى أبواب الجوع والفقر. وفاجأنا أخيرًا انفجار مرفأ بيروت ليدمّر كل شيء.
عشنا معكم، ولو من بعيد، فظاعة الفاجعة التي حلّت بكم مساء الثلثاء ٤ آب، وأنتم جيران المرفأ الأقربون، وقدّرنا كم أنّ الله حاضر معكم وفي كلّ بيت من بيوتكم وفي كلّ عائلة من عائلاتكم، إذ كان للإنفجار أن يحصد آلاف الضحايا. فكان من آلاف الشباب والصبايا، ومنهم أبناؤنا البترونيّيون، أن توافدوا من كلّ لبنان لمساعدتكم وللتعبير عن تضامنهم معكم ومحبّتهم لكم. فعكسوا وجه لبنان الرسالة في حبّ الحياة والعزم على إعادة البناء.
وكان من قداسة البابا فرنسيس أن توقّف في المقابلة العامّة يوم الأربعاء الفائت، وذرف الدموع وهو يحمل علم لبنان، فقبّله، وقال لكم أنتم يا أبناء وبنات بيروت: « لا تخافوا! لا تتركوا بيوتكم وأرضكم! حافظوا على تراث وطنكم الفريد في المحبّة والعيش معاً واحترم التعدديّة».
وجاء موفد قداسة البابا أمين سرّ دولة الفاتيكان الكاردينال بارولين منذ يومين ليقول لكم: « لا تخافوا! سنبني معكم بيروت من جديد!»
من خلال جولاتي بينكم، تحسّست وجعكم، وسمعت صراخكم وغضبكم على المسؤولين الذين لا يزالون يتفرّجون عليكم وأنتم تنتظرون المساعدات لإعادة البناء. ولكني اكتشفت في قلوبكم إيمانكم الكبير بالربّ يسوع المسيح الذي يقول لكم: كنيستي مبنيّة على الصخر وأبواب الجحيم لن تقوى عليها! وها هي كنيستكم تحضنكم اليوم بعد الدمار الذي حلّ بها. وكما كنيستكم، كذلك بيوتكم سترمّم بإذن الله وتضامن الخيّرين. لكن الأهمّ يبقى في أن تُرمَّم المحبّة في قلوبنا جميعاً. والمحبّة تنبع من الإيمان وتُترجم بالأعمال اليوميّة. وتضامننا معكم من كلّ لبنان ومن دول العالم يترجِم محبّة يسوع المتجسّدة لخلاصنا.
بيروت مدينتكم وعاصمة العالم. دُمّرت مرّات ومرّات وأعيد بناؤها، لتبقى عاصمة المحبّة والسلام والتلاقي والعيش الواحد في احترام تعدّديّة الثقافات والحضارات والديانات.
يبقى علينا فقط أن نرفع الصوت معكم متوجّهين إلى جميع المسؤولين لنقول لهم: إنّ الله يحبّكم أنتم أيضاً، كما أحبّ زكا العشّار والمرأة الخاطئة، ويغفر لكم ويريد خلاصكم. توبوا إذاً ما دام الوقت أمامكم، وقوموا بالتعويض على الناس الذين سلبتموهم أموالهم وحقوقهم. فأنتم أيضاً من أبناء إبراهيم ولكم مكان في ملكوت الله.
إنّها صرخة سبقنا إليها راعي أبرشيّتكم المطران بولس.
ضعوا إذًا ثقتكم بأبيكم السماوي، واطلبوا ملكوت الله وبرّه والباقي يعطى لكم ويزاد. وهو سيعطيكم ويزيد لتعيدوا بناء بيوتكم ومدينتكم.
والكنيسة أمّكم وأنتم أبناؤها وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. فلا تخافوا! آمين.